هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
الاثنين، كانون الأول ١٢، ٢٠٠٥
كسّر هالصّمت اللي فيك
اللي ناطرين منّي إحكي، شو جايين يسمعوا؟ إيه، نعم، مات. خلص. مات. شو مفروض قول يعني؟ الكلمة ما عاد إلها لزوم. الكلمة دَعْوسوها، ووسّخوها، وبصقوا عليها، وحرقوا دين سما ربّها... الكلمة ببلادنا... شو صارت رخيصة.
اللي جايين يسمعوني إحكي، أنا ما عندي شي قوله. تعبت من صور النّاس اللي منحبّهم، مزروعة عالحيطان وورا الدّموع اللي ما بتنزل. تعبت من الأغاني الحزينة والتياب السّودا. تعبت من الدّم اللي صار مغرّق الشّوارع، والبيوت، والوجوه، والعيون الهربانة، والورق المخزّق. تعبت...
شو بدّهم بعد من هالبلد اللي يبّسوا ربيع البلد؟ حلّوا عنّا بقى! تْركوه بحاله للبنان الباقي. تْركوه يلعب تحت الشّمس. تركوه يحبّ. ويضحكلنا غصب عن الكل.
سلام تصفية صحفي لها دلالات وابعاد خطيرة فهو حامي الكلمة والمدافع عنها المهم ان الموت لا يجب ان ينسى ولا يجب ان يندرج في حكم العادة لا بد من الضجيج والصراخ لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا
ما بعرف شو بدي قلك .. أنا هون بفرنسا.. الغربة بتزيد الهم هم.. اليوم قعدت بكيت بكيت بكيت..ما كنت معه سياسياً بس بدني تش اليوم.. حسيت كل جسمي منمل..أنا جايي السبت الجايي ع لبنان..هيدا البلد اللي قلبو كبير... قلب ممكن يساع الأبيض والأسود.. بلد من كتر ما قلبه كتير كبير بصفي كتير سهل لمين ما كان.. الله يحمي هالبلد
تراودني رغبة في الاعتذار. أراهن على سعة صدرك. أنت زميلنا وتعرف. بعض الاوجاع يمنع الرثاء الجميل. بعض الفرسان يفضح فقر القاموس. ولا أخفيك اننا بددنا كل الورد قبل عرسك. بددنا الاغاني على رفاقك. تلاحَق الشهداء فأنهكنا الاستعارات والتشابيه. استنزفنا كل مناديل القلب قبل جنازتك. قلنا نودع مراسم الوداع وتوهمنا اننا نحميك.
جبران تويني
لأنك زميلنا سأكون صريحاً. لا تزعم أنك بريء. ارتكبت من الآثام ما جعل اعدامك مجرد بحث عن موعد التنفيذ. باكراً هجمت عليك اللعنات الكبرى. لعنة الحبر المضيء في ليل البلاد. لعنة البحث عن البلاد في البلاد. لعنة التوق الى وطن. وبدا واضحاً انك أصبت باكراً بذلك النوع من الاحلام الذي يقرّب الوطن من حريته ويقرّب الحالم من قبره.
جبران غسان تويني
لا تقل إنك بريء، نعرف القصة. في معهد الحبر والضوء كبرت. على دوي المعارك والمقالات. استولت عليك الاحلام. باللغة الصريحة العارية رحت ترشق الزمن المدلهم. بالصوت الهادر رحت تطوف وتحرض. تهز الصمت وتكسر جدران الخوف. تراود النار وتزرع الحرائق وتتقدم الصفوف.
انشغلت المدينة بمرتكب الاحلام. أيدته وعارضته ثم أحبته وانتخبته. خافت منه ثم خافت عليه. صار من رموز عنادها وراح يستدرجها الى كلام بلا خفر أو توريات. وحين يتصل رجل بشرايين مدينة لا يبقى غير موعد الاستشهاد. ستكون المدينة ناقصة. سيمر الخميس من دون حبرك الغاضب. وسيفتقد الناس معاركك الديموقراطية وابتسامتك وجرأتك وحركة يديك. سيبكي مكتبك المقيم قبالة نصب الشهداء وقبالة ضريح رفيق الحريري. سيستقبلك جورج حاوي بجبهته العالية وسيعانقك سمير قصير لتعويض ما فات. ستستقبلك ناديا بحنان الأم ولهفتها وستغمض عينيها كأنها تقول: هذا أجمل قصائدي وأوجعها.
تعبنا يا جبران من مفردات الرثاء. تعبنا من الوداع. تعبنا من تعاقب الخسارات وابتسامات القتلة. تعبنا. ماذا نقول لبيروت وصحافتها؟ وماذا نقول للوطن الذي يدهمه الموت كلما لاح عرسه؟ وماذا نقول لغسان تويني استاذك واستاذنا؟ وهل بقي لديه متسع لجرح جديد ومأساة جديدة؟
لـ «النهار» المزروعة قلعة في قلب بيروت وضميرها، لـ «النهار» التي كانت لنا اول الحبر وأول الحرية نقول ان جبران يحرس القلعة شهيداً كما حرسها قائداً. ضاق صدر الليل بالتماعات «النهار» فاغتال جبران. راهن على شطبه، وغداً يفاجأ به وساماً على صدر المدينة والنهار.
لماذا تريدين "تكسير" الصمت؟ أظن أن العكس تماما هو ما تريدين ونريد جميعاً ... نريد لتلك المدافع والقنابل والنيران وآهات الألم وبكاء الأطفال ونهنهة النساء أن "تصمت" - للأبد!
لسه قاري الخبر دلوقت.. مش عارف اقول ايه.. ربنا يرحمه و علي الله يجي يوم يتمتع فيه لبنان بصباح جديد من غير لا دخان وة لا نار و لا غيوم