مضى أكثر من شهر وأنا في سعيٍ لاستغلال عطلة نهاية الأسبوع، لأخرج من العاصمة وأزور المكان الذي طالما اشتقت إليه. لكنّ الظّروف لا تنفكّ تعاكسني. فتارةً يفاجئني الطّقس الممطر، وطوراً عملٌ مفاجىء، وفي بعض الأحيان، مناسبةٌ أخرى كتلك التي حدثت اليوم، فمنعت سائر البيروتيّين من التّجوال بسيّاراتهم. كنت قد أعددت كلّ شيء. رضيت بأن أقطع حبل نومي الصّباحيّ المقدّس، ثمّ اشتريت منقوشتي بالزّعتر والجبنة معاً، وانطلقنا. وإذا بي أكتشف أنّ الطّريق حول بيتي مطوّقة من النّواحي كافة، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وأنّ أيّ محاولةٍ للتّفلت من هذا الحصار مستحيلة. أمّا السّبب، فالماراثون الكبير الذي يحتفل به لبنان سنويّاً. حسنٌ، إنّها مناسبة تستحقّ الثّناء، ولكن ما ذنبي أنا أن أعود أدراجي بعد مضيّ أقل من خمس دقائق؟ حسنٌ، حسنٌ، المصلحة الوطنيّة أهمّ من أهوائي! عدت للغرق بين أحضان الأوراق التي بحوزتي. لكنّ السياسة الكينزيّة، وأسعار النّفط، وأسباب الانكماش الاقتصاديّ، ونتائج التّضخم الماليّ، وسائر المصطلحات الاقتصاديّة العديمة الفائدة التي يفترض نقلها إلى العربيّة، كلّها أمطرتني بوابل من نجوم الظّهر. فما كان منّي إلا أن ضربت بقواميسي عرض الحائط، والتقطت كاميرتي، ومشيت.
طبعاً، المحطّة كانت في ساحة الشّهداء التي تربطني بها ألفةٌ قديمة
وهذا أحد المتسابقين
دينا حايك تغنّي "أنشودة الماراثون": خلّي إيدك بإيدي، شو بيهمّ العقيدي
مشجّعات من أثيوبيا
لقاء صدفة بأختين "مهضومتين" لم أرهما منذ سنة تماماً. من أيّام دروس الماكياج
جائزة أفضل زيّ. كليوباترا تعترف: كانوا يركضون وأنا أركض وراءهم قرّرت أن أبتعد قليلاً، على أن أعود عند إعلان النّتائج. لكنّني لم أكن أعرف أنّ نزهتي هذه ستستغرق أكثر من ثلاث ساعات، وأنّني سأنسى الماراثون "واللي خلّفوه".
الطّريق التي تفصل بين العالمين: ضجيج المتسابقين والمشاركين، وسكون العاشقين المنزويين
تُرى، فيمَ تفكّرين؟ وعلى جناح أيّ كلماتٍ تهربين؟
وراء الباب، دائماً بابٌ آخر، رحلة أخرى، حكايةٌ جديدة
أيّ قلبٍ تحطّم فوقك، أيّتها المرايا؟
بلغ بي السّير أماكنَ يُحظّر التّصوير فيها. أعتقد أنّ ملفّي مدرجٌ الآن في كلّ مكاتبهم! على العموم، حين عدت أدراجي، كان بعض الطّرقات قد أصبح سالكاً. الطّقس مشمس وأولاد كثر يعدون في الشّوارع. تجمّعات، وعائلات، وأشخاص من كلّ حدبٍ وصوب. كأنّني في صفحةٍ من قصّةٍ مدرسيّة. عرّجت على دكّان أبي وسام، وأطفأت عطشي "بدايت سيفين" كالعادة. "زُعران" الحيّ يحاولون أن "يتمرجلوا" على مسامعي. أرمقهم بنظرةٍ فوقيّة لامبالية كما أفعل معهم دائماً. أضحك في سريّ، ولسان حالي يقول: متى تكبرون؟
ليس اليوم. ربّما غداً يكبرون. ربّما غداً أكبر أنا أيضاً. بس مش اليوم. أكيد مش اليوم. |
رب ضارة نافعة...حلو اليوم ده قوي...و كويس انك قطعتي حبل نومك الصباحي المقدس...تغيير يعني...الللللللله...مناقيش بالزعتر و الجبنة!!! جوعتيني :))
يعني ايه"زعران"...فهمتها من معني الجملة تقريبا...بس مش متأكدة انها صح ولا لأ.