mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
في عتمة الكلمات
ضائعة تماماً أنا. عشراتٌ من الأفكار تعتمل في ذهني. لا أسمع غير طنينها المدوّي داخل رأسي. بحلول هذه السّاعة، باتت الدّوامة في أوجها، تعوي كذئبةٍ ثكلى. أفكار ضمن أفكار تتداخل مع أفكار... والنّتيجة: اختلط الأمر، وانعقد اللسان، وأمست الكلمات تهمّ لتخرج متدافعةً، لكن تصطدم بحاجزٍ منيع، وتعود أدراجها خائبة.
أظنّ أنّ ما أحاول قوله، بطريقةٍ من الطّرق، بشكلٍ من الأشكال، هو أنّ سيل الإلهام انحبس. وخيط الكتابة بُتر. والمداد في أحشاء أناملي قد نضب أخيراً.
بمعنى أدقّ، لم أعد أعرف الكتابة.

وبمعنى أكثر دقة، لا يهمّني الأمر. كالعادة، "لا يهمّني الأمر".

لكنّ المشكلة أنّني إذا لم ألفظ هذه الأفكار الضّاجة من داخل رأسي سريعاً، لبتّ أشبه بحال المرأة التي تحمل في أحشائها جنيناً ميتاً: رحمها يستحيل مقبرةً والطّفل القادم أبداً لا يجيء. لا يبقى إلا الوعد بالطّفل القادم. لا يبقى إلا الحلم الكاذب... إلا الأمل لا يبقى.

الحقيقة... أتوق إلى الاتّحاد من جديد بتلك الحالة من سكون الغرق في عالم الكتابة الآخر. أشتاق إلى الوقوف من النّاحية الأخرى من المرآة... إلى تحطيم الأواني وتشويه الصّور وتحريف الأبجديّة. أشتاق إلى رؤية العالم من منظار هلوساتي. إلى الانتقام من الآخرين بكلماتي. لكنّ ضجيج العالم الخارجيّ أقوى منّي، وبتّ لا أقوى على سماع همساتي الدّاخليّة.
حتّى هذه الكلمات التي تشقّ طريقها إلى الحياة في هذه اللّحظة، تخرج، بعد مخاضٍ عسير، شاحبةً، عرجاء، عقيمة، مشوّهة، مختلّة، مصابة بعيبٍ خلقيّ وإعاقاتٍ متنوّعة... ينتابها ألف مرض إلا لون نشوة الجنون عندما ترتمي النّفس، بكلّ اندفاعٍ، فوق الهاوية.
حتّى هذه الكلمات لا تخدعني. تعلّل النّفس قليلاً، لكن لا تخدعني. أنا فعلاً خاصمت الكتابة. أو بالأحرى هي خاصمتني، بينما أقفُ وراء السّور كعاشقٍ ذليل، أطأطىء برأسي على بابها المسدود، بحثاً عن عبق زياراتها القديمة، أو التماساً لخمر متاهاتها.

كيف أسرّح شَعري بعد اليوم وأنا لا أرى فيه خيوطاً من اللّيل وبعض نجوم؟ كيف أنظر إلى البحر فلا أرى في مرجانه حبّات عقدي المنفرط، ولا ألمح في زوارقه رسائل أمنياتي المسافرة؟ كيف أفتح دفاتري، فلا أسوّدها بخربشاتي ولا أرسم عليها ألف زهرة؟ كيف أفيق من سباتي وحقائب أحلامي فارغة، إلا من مشطٍ مكسور وفرشاة أسنان بالية؟

ينتابني الهلع. في غمرة اليأس، أفكّر في أن أحرق كلّ أطفالي المشوّهين... أن أضرم فيهم النّار، وأهرع خلف السّتار لأختبىء من صخب آلامهم. ثمّ أخرج على العلن، لأرثيهم بقصيدةٍ فارغة. حينذاك، سيصفّق لي النّاس. سوف يواسونني. لا بل سيرأفون لحالي. لن ينتبهوا إلى أنّ الكتابة قد وسمتني. لن يشتمّوا رائحة الجريمة على ملابسي. على العكس، سيطبطبون على كتفي، ويشجّعونني على قتل المزيد من الأطفال. ثمّ ينصرفون، وأبقى أنا وحدي، أنا وعبء الحقيقة.

عندما ينام الجميع، أظلّ أتقلّب فوق مضجعي. شيءٌ ما يطبق خناقه على حنجرتي. أعرفه جيّداً. أتذكّر قبضته المألوفة. شيءٌ ما يعصرني عصراً. أردت أن أهزّ كتفيّ لامبالاةً وأخبره إنّ الأمر لا يهمّني، وأن يمضي في فعلته كما يشاء. لكنّ غصّةً تملّكتني رغماً عنّي. حينذاك، لم أملك إلا أن أدفن وجهي في وسادتي، في عتمة الكلمات، في ملاذ الصّمت.
13 Comments:
  • At ٩/٩/٠٥ ٣:٠٦ ص, Blogger IronMask said…

    لن تتوقفي عن الكتابة يا إيف لأنك ولدت لتكتبي عن شيء ما و عن زمن ما، كل ما يجري الأن هو هاجس الحقيقة التي ستكون هاجسك الذي لن يدعك تتركين الكتابة ، وستبقى الضمائر تؤرق النفوس الى ان يحين وقت يصبح من السهل قول الحقيقة،
    أكتبي يا إيف لأنه لا يوجد طريق اخر لقول الحقيقة،
    ولأنه كما يقول المثل الشعبي : "الكلمة اللي ما بتقولها راح تموت بحسرتها"

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٩:٢٤ ص, Anonymous غير معرف said…

    thanx eve for visiting my blog.. great page :D
    muahz

    soraia

     
  • At ٩/٩/٠٥ ١:٥٥ م, Blogger Eve said…

    ya hala Soraia, hope you'll drop by more often.

    آيرون ماسك، لا لن أتوقّف :)

    بانتظار أن أجد شيئاً أكتب عنه. بانتظار أن يهمّني إيجاد شيء أكتب عنه.

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٢:٢٧ م, Blogger littilemo said…

    كتابتك رائعه ولكن المشكله انت صرتى حزينه جدا

    لا ادري لماذا كل هذا الحزن

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٣:٠٨ م, Blogger Tara said…

    مالكم يا بنات انتي من جهة و(لست ادري) من جهة ؟
    شنو قصتكم هالايام ؟
    يللا قوموا فرفشوا و اتركوا هالافكار

    كلنا تمر علينا ايام ننخنق فيها وبعدين ننسى ونقوم على حياتنا ومشاغلنا ونعيش

    و هي هاي الحياة
    يوم و يوم

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٣:٥٢ م, Blogger Eve said…

    مو،
    حزينة أنا؟ يبدو أنّك لم تقرأ التّدوينة السّابقة :)
    وبعدين ما أنا طول عمري بكتب بهيدا النّكد، مش كتير فارقة :p

    تارا، هناك ملحوظة مهمة جداً، هلوساتي هنا لا علاقة لها بحياتي اليوميّة. من تكتب ليست نفسها من تفرفش. من تكتب إنسانة أخرى، تلعب على سجيّتها. وهذا المكان هو ملعبها الصّغير. فلا تصدّقي كلّ ما تكتبه الأقلام.

    هذه التّدوينة صرخة. لأنّ الملعب ضاع. والفتاة اختفت.

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٤:٢٧ م, Blogger Majd Batarseh said…

    eve,
    it is soo amazing.. you are truly a talented writer.. keep it up ;)
    God Bless

     
  • At ٩/٩/٠٥ ٨:٥٥ م, Anonymous غير معرف said…

    أحيانًا تطول آلام المخاض المتصلة لما يقرب من يوم كامل, ولكن في النهاية تبزغ رأس الطفل متألقة كإشراقة شمس يوم جديد لتُنسي الجميع كل أفكارهم المتضاربة؛ فالرحِم لا يستحيل مقبرة أبدا.
    اقتراح بسيط أتمنى أن يكون ذو أثر إيجابي.. اثناء انتظار أن يهمك إيجاد شئ للكتابة عنه يمكنك أن تمنحينا شرف اقتراح بعض المواضيع التي تثير اهتماماتنا المختلفة و التي نود سماع رأيك فيها, ثم تختارين منها ما يجذبك و تحدثينا فيه بأسلوبك الأخّاذ.

     
  • At ٩/٩/٠٥ ١٠:٢٢ م, Blogger Eve said…

    Petra dear, u're flattering me :)
    I'm glad you liked it.

    دويدار، أنت فعلاً من معشر الأطبّاء! :)
    هات تنشوف، ما هو اقتراحك؟ وأكيد سأتكلم عنه (شرط ألا يتعلّق بالتّرجمة... والطّب طبعاً).. يه، شو كم دويدار عنّا؟ :)

     
  • At ١٠/٩/٠٥ ٢:٢٢ ص, Anonymous غير معرف said…

    سلام
    في المغرب عندما نريد التعليق علي شخص قام بعمل متقن نقول له
    الله يرضي عليك
    أنا أقول: إيف الله يرضي عليك
    ليس فقط من اجل هذا النص ولكن من اجل هذا الحضور الشفاف والعميق

     
  • At ١٠/٩/٠٥ ٨:٠٨ ص, Blogger Ziad said…

    إذا كان هذا ما تنتجه إيڤ عندما لا تكون قادرة على الكتابة، فأنا أتشوق لأن أرى ما ستفعله عندما تدون بكامل قدراتها الإبداعية

    :)

     
  • At ١٠/٩/٠٥ ٧:٢١ م, Blogger Eve said…

    :)

     
  • At ٢٣/٨/٠٦ ٧:٥١ ص, Blogger Hashem said…

    إيف
    لا أدري ما الذي قادني إلى أن أقرأ هذا النص الآن...ربما لأنه يعبر عما أشعر به الآن وأنا في معمة الدراسة لإمتحان بات على الأبواب
    أهرب من همي وتعصيبي إلى واحة كلماتك التي وإن مضى بعض الوقت منذ كتابتها إلا أنها ما زالت تتردد أصداءاً تصل عقلي ونفسي...فتتآلف هناك ومع ما أشعر به الآن
    إيف...أحب أن أقرأك

     
إرسال تعليق
<< Home
 
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER