mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
عن الطّيران وبعض الهلوسات

ماذا يحدث للطّائرات هذه الأيّام؟ أموسم فيروس جديد ينتشر في الأجواء؟ أتكلّم عن ظاهرة سقوط الطّائرات التي تتحفنا كلّ فترةٍ بضحيّة جديدة. صحيح أنّه منذ ذهابي إلى روسيا وهذه المسألة تشغل بالي، ولكن ما قصّه عليّ زميل في العمل اليوم كان بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير.

اليوم، في القرن الواحد والعشرين، في عصر السّرعة هذا، كم برأيكم استغرقته رحلة من الولايات المتّحدة إلى لبنان؟ (قولوا شي رقم، قوّوا قلبكم!) الجواب: أربعة أيّام بلياليها. بدأ الأمر بإقلاع الطّائرة وتحليقها لثلاث ساعاتٍ متواصلة، في ظلّ أجواء لا يمكن وصفها بالمريحة: مطبّات هوائيّة، أضواء متردّدة، رائحة غريبة. وإذا بصوت الربّان يصدح بما معناه: "سيّداتي سادتي، لست متأكّداً إن كان عطلٌ تقنيّ بسيط قد أصاب المحرّك أم أنّ الطائرة ستهوي بنا رأساً على عقب. في كلّ الأحوال، أفضّل أن نكون قرب المطار حين يحدث ذلك. سنعود أدراجنا!"

وهكذا، عادت الطّائرة بعد ثلاث ساعاتٍ إضافيّة نحو المدرج الذي انطلقت منه، حيث بقيت تحلّق في الأجواء لفترة طويلة قبل أن تهبط أخيراً. الزّميل كان يتوقّع أن تنتاب الرّكاب حالة من الهرج والمرج، أو هلع بالغ، كما يتخيّل المرء أن يحدث في مثل هذه الأوضاع. غير أنّ صمتاً رهيباً كان يسيطر على متن الطّائرة، تتخلّله همسات الشّفاه التي لا تنفكّ تتحرّك بالصّلاة والأدعية.

بعد الهبوط، وإصلاح العطل المزعوم (تبيّن أنّه قد تمّ ملء الخزّان بمقدارٍ فائض من الوقود)، وبعد حالة تامّة من الضّياع، تَقرّر انطلاق الطّائرة من جديد، مع استثناء بعض الرّكاب الذين منعتهم حكمتهم من ركوب الطّائرة نفسها ثانيةً. في الجوّ، صدح صوت الرّبان الذي بلغت به صراحته، الغريبة من نوعها، حدّ إعلام الرّكاب بأدنى التّفاصيل: "سيّداتي سادتي، تلقّيت اتّصالاً من طائرةٍ تطير خلفنا، وربّانها أخبرني أنّه يبصر دخاناً أسود ينبعث من طائرتنا!"
هرج ومرج جديد. حالة عصيبة. حبس أنفاس والسّكون الرّهيب نفسه.
أخيراً، نجاح بتوقّف ثانٍ في مطار فرانكفورت.
ترى، هل سيصل إلى بيروت يوماً؟
...

كان الزّميل يقصّ عليّ كلّ ذلك وهو يضحك على غير عادةً... ضحكة عالية رنّانة. ضحكة كأنّما تخفي وراءها صرخةً ما. كأنّما تقول: لم تقتلني كاترينا. لم تقتلني الأقدام المتدافعة فوق الجسر. ولم يقتلني الجسم المعلّق بين السّماء والأرض. زميلي يستدرك، ثمّ يبدي تعاطفه ظاهريّاً مع الضّحايا جميعهم. ولكن في أعماقه، يحاول أن يداري عري النّفس الفاضح، حين تبتسم ابتسامتها المكبوتة وتقول: "منيح إنو مش أنا".
عندما تطالعنا هذه الأخبار على الشّاشات: كلّنا يتألّم ويتأسّف ويضيق صدره لهذه المصائب اليوميّة حول العالم. ولكن في داخل كلّ منّا أيضاً وحشٌ صغير، يبتسم الابتسامة المكبوتة نفسها، ويردّد: "منيح إنو مش أنا"... ولعلّ هذا هو ما نمقته، أكثر من أيّ شيءٍ آخر.

...

أحياناً، أجدني أضيق ذرعاً بكلّ هذه الكوارث أيضاً. فأسأل عن السّبب: أرأفةً بالمنكوبين التي تنزل بهم المصيبة، أم خجلاً، وخوفاً على نفسي من أن يستيقظ فيها ذلك الوحش الصّغير؟

أف... عليّ أن أكفّ عن الكتابة عندما أكون مريضة! أقرأ ما كتبته حتّى الآن، وألاحظ أنّني هلوست أكثر من اللازم. الأفضل أن أضع نقطة النّهاية هنا، وإلا فسأشرع في الكلام دون توقّف. وإذا ما كتبت، فلن أقوى على المحو. كمن يتكلّم ولا يقوى على استرجاع كلماته. و... ييييي، خلص. خلص. طيّب يا حوّا. هذه نقطة النّهاية. "."

14 Comments:
  • At ٢/٩/٠٥ ١:٤٦ ص, Blogger Nour said…

    هتسدقيني يا إيف لو قلتلك أن شبه نفس الهلاوس طلت براسها عليا من كام يوم؟؟

    3
    طيارات في أسبوعين :S

    ..أسترها يا رب

    الوحش الصغنون اللي بتتكلمي عليه يا إيف موجود جوانا كلنا

    هو تمثيل بسيط لغريزة البقاء في رأيي

    :)و أخيرا سلامتك يا جميل من العيا

     
  • At ٢/٩/٠٥ ٨:٥٨ ص, Blogger Tara said…

    سلامتك يا ايفو
    عندك العافية ان شاء الله

     
  • At ٢/٩/٠٥ ١:٤٦ م, Blogger Eve said…

    تسلموا يا بنات. الحمد لله اليوم حاسه حالي أحسن كتير :)

     
  • At ٢/٩/٠٥ ١١:٣٩ م, Blogger Aladdin said…

    ليتك لا تضعين نقطة النهاية أبداً! بصراحة بامرق على هاي المدونة كِل يوم بشوف شي تدوينة جديدة بس دايما حظي بطلع حلو.

    حوّا .. دخيل الله ما تحطي هاديك النِقْطة!!

     
  • At ٣/٩/٠٥ ٩:٣٢ ص, Blogger Eve said…

    مهضوم إنتَ لما تحكي باللبناني علاء :)
    خاص، رح شيل النقطة، غالي والطلب رخيص متل ما بتقولوا :)

     
  • At ٣/٩/٠٥ ١٠:٠٥ ص, Blogger Ahmed Shokeir said…

    كله بيعدى وبيتنسى ... حد لسه فاكر تسونامى أكبر كارثه طبيعيه فى تاريخ البشريه الحديث ؟ أكتر من مائه وخمسون ألف قتييل .. حد لسه فاكر ..كله بيعدى وكله بيقول وأنا مالى حتى أصحاب المصيبه ودى عموما نعمه

     
  • At ٣/٩/٠٥ ١٠:٠٨ ص, Blogger Ahmed Shokeir said…

    أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

     
  • At ٣/٩/٠٥ ١١:٠٦ ص, Blogger IronMask said…

    انا عندي صديق بيخاف كلما شاف حلم فيه طيارة انه طيارة راح توقع ، وبيضل مرعوب فترة لحتى ينسى حلمه :)

    وانا صرت خاف انه صديقي هاد هو سبب كل مصائب الطائرات (عم امزح طبعا )


    لازلت اذكر احد الافلام التي يتخلى فيها البطل عن بطاقته لشخص اخر ومن ثم تسقط الطائرة و يبدأ رحلته مع المعاناة و تعذيب الضمير تجاه ما حدث

    كعادتك يا إيف تختاري مواضيع مهمة ومرتبطة ارتباطا كبيرا بالنفس البشرية و طريقة تعاملها معها

     
  • At ٣/٩/٠٥ ٣:٠٤ م, Blogger أحمد said…

    أعتقد ان اكبر مأساة في أى كارثة ليست عدد الضحايا او مقدار الخسائر
    بل كارثة الحزن
    و الفقد

     
  • At ٣/٩/٠٥ ٩:١٩ م, Blogger Prometheus said…

    اكثر ما لفت انتباهي في القصة هو وقاحة الربان التي ليس لها مثيل في ما يبدو. مهمة كابتن الطائرة هي طمأنة الركاب وإزالة الخوف والتوتر من نفوسهم حتى في اسوأ الاحتمالات. الطيارون يخضعون لاختبارت دورية صارمة لقياس مدى لياقتهم البدنية وسلامة قواهم العقلية. وتصرفات الطيار في القصة تشير إلى عدم اتزانه أو انه كان واقعا تحت تأثير امر ما غير طبيعي.
    تحياتي ايف

     
  • At ٣/٩/٠٥ ١١:٤٦ م, Blogger mindonna said…

    انت بتقوللي انك بتهلوسي يا إيف
    بس هلوساتك حلوة أوي :)

     
  • At ٤/٩/٠٥ ١:٠٦ ص, Blogger Eve said…

    أحمد، العالم لن يتوقّف فعلاً.
    ca va pas changer le monde...

    ironmask,
    like the movie called "Bounce".
    كان بايخ :)

    إبليس، كويس إنّ الإنسان لا يموت حزناً، وإلا
    ...
    كنّا متنا كلّ يومٍ آلاف المرات.
    من يدري، لعلّنا نفعل...

    بروم، يمكن أنا كنت ساخرة في صياغة تعليق الرّبان. وأنت أصبتَ في تحديد ذلك. هدفي من ذلك كان التّساؤل: أيجب على الرّبان أن يعلم الركاب بما يحدث بالتفصيل، باعتبار أنّها قد تكون لحظتهم الأخيرة، أو يحاول الحفاظ على الهدوء ورباطة الجأش قدر الإمكان؟ سؤال يحتمل الجدل.

    ميندونا: شكراً لك. وأنت أصبحتِ أشهر من نار على علم :)

     
  • At ٤/٩/٠٥ ٢:٠٦ ص, Blogger Muhammad Aladdin said…

    :)
    Love yr writing as usuall, dear Evo

     
  • At ٨/٩/٠٥ ٣:٢٥ م, Blogger mindonna said…

    و الله يا إيف أنا حسة ان النار بدل ما تمسك في العلم مسكت فيا أنا !!:)

     
إرسال تعليق
<< Home
 
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER