mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
بصيص أمل
مع أنّني تعبة وأرغب في النّوم، لكن من غير الطّبيعي ألا أسجّل مرور هذا اليوم التّاريخيّ في مدوّنتي. لا يهمّ أكان توقيفاً لرؤساء الأجهزة الأمنية أم مجرّد استدعاء. فما أسجّله هنا لم يسبق له مثيل في التّاريخ اللبناني، لا بل الإقليميّ أيضاً: القيام بخطوة ملموسة، للمرّة الأولى، نحو محاولة اكتشاف الحقيقة. تلك الحقيقة التي لم تعدُ، في الآونة الأخيرة، كونها مجرّد كلمة تُردّد على الشّفاه، لكن لا يؤمن بها أحد... تلك الحقيقة التي تُغلق عليها الملفّات عادةً، وتلقى فوق رفوفٍ منسيّة.
فترة استثنائيّة يعيشها لبنان. فيها ترقّب، وفيها خوف من خيبة أملٍ جديدة. نحن نحبس أنفاسنا؛ نتردّد بشأن الوثوق التّام بما يجري حولنا، لكن على الأقل، في داخلنا، مستبشرون كالأطفال نحن ببصيص الأمل الجديد.
شجرة الفل
وجِّك رايق اليوم. متل اللي نايم صارلو عشرين سنة. مع إنّو إنتِ صار لك نايمة عشرين يوم بس. خفّوا الزيارات عأوضتك. خفّت العجقة. خفّ الحكي. أوّل كم يوم، كتير ناس إجوا، وكتير اتّصلوا، وكتير بَعتوا ورد كمان... أكيد كنتِ رح تنبسطي. بعرفك عطول تقولي إنو إذا صار شي، ما حدا رح يهتم. مبلى، اهتمّوا. أوّل كم يوم...

المَكَنات والشّرايط وكل هالخبريات حواليّ بيقولوا إنّو بعد في شي فيكِ ما انطفى. ما بعرف، سمعتهم كتير عم بيحكوا، بس ما فهمت شي. كلّ يوم، بيلبسوا تيابهم البيضاء، وبيفوتوا عالأوضة. بيتطلعوا فيك شوي، وبيرجعوا بيضهروا. وأنا بخاف. بجرّب إسألهم، بس ما بقدر. بِقعد بالزاوية وبخاف.

أهلك وصلوا. دايماً بيوصلوا بهل الوقت. بيوقفوا حوالين تختك، وبيصيروا يحكوكِ. بيخبروكِ عالبيت الفاضي، وشجرة الفل اللي عم بتيبّس لأنو بطّل حدا يسقيها. بيقولولك إنو كتبك بعدن مطرحهم، مفتوحين عالصّفحة اللي تركتيها. وإنو اليوم طبخولك الأكلة اللي بتحبيها: كبّة بدون حشوتها، لأنّك دايماً بتشيلي الحشوة قبل ما تاكلي. أوقات أمّك بتغصّ، وبتسكت شوي. وبيّك بيطلّع فيك وبينسى يخبّي دمعاته. بجرّب ناديلهم، بس ما بقدر. بقعد بهل الزاوية وبخاف.

من عشرين يوم، وأنا وياك بهل أوضة سوا. إنت المريضة رقم 507، وأنا الخيال يلي بلا اسم. أوقات بتهيّألي إنّو عندك نفس عيوني، ونفس تمّي ومنخاري. بس إنت بيضاء أكتر، ووجّك مليان جروح. بتطلّع عالمراية حتّى إتأكد، بس ما بلاقي شي. لا لوني ولا عيوني ولا حتّى شكلي اللي عم بيفتّش عن شكلي. شو سرقتِ مني؟ شو؟ مين إنت يلي نايمة بهل التخت وبشو عم بتفكري؟ عم تضحكِ عليّ، ولا بقلبك في بحور فاضية من الفراغ؟ حاسّه إنو ذكرياتي عم بيضيعوا مني، عالسكت. بلا ما اسمعهم. بعد شوي، يمكن بطّل إقدر فكّر. يمكن صير متلك. يمكن...
قولك لازم واحدة منّا تروح حتّى التانية ترجع؟
أوّل مرة بحس إنّي بردانة هالقد.
برجع عالزاوية. شوي خايفة بس بردانة كتير. وجّك الصافي هو آخر منظر بتذكّره...




الأحد 20:
قرّرت أن أباشر بكتابة يوميّاتي...أن أعدّ الأيّام الجارية، كي لا يضيع أيّاً منها بعد الآن. قرّرت أن أسجّل بالقوّة ما لن يسرقه منّي النّسيان...اسمي أنا؟ لا داعي لتسجيله. فعلى العموم، ليس من المعقول أن ينسى الإنسان اسمه... طبعاً، ليس معقولا.
عادني الكثير من الأصدقاء اليوم. قالوا إنّ عودتي إلى الحياة لمعجزة حقيقيّة. جلسنا على الشّرفة، وسألوني عمّا كان يدور في رأسي هذا طيلة عشرين يوماً. لم أعرف بماذا أجيبهم، وقمت متذرّعةً بضرورة إعداد القهوة. في الحقيقة، كان شعورٌ غريبٌ يساورني: فرحةٌ أنا بعودتي لكن... كأنّني فقدت شيئاً على الطّريق، في مكانٍ ما، في زمنٍ ما. كأنّ صوتاً خبا... كأنّ ظلاً اندثر... كأنّني لست الفتاة التي كنت.
تجدني أمّي. تقول لي إنّ هذا الوجه الجميل يستحقّ أن يتلوّن بالضّحكات دوماً. أبتسم لها وأعود إلى الشّرفة. هناك، يشير أحد الأصدقاء إلى نبتةٍ فارعة. فأبادره بالقول: نعم، لقد حان موسم الفل.
ترجمات "إبداعيّة"... جدّاً
لم أرمِ أوراقاً كثيرة في حياتي. في خزائني تقبع كلّ فروضي المدرسيّة وكتاباتي الجامعيّة، منذ مواضيع الإنشاء التي تروي "كيف قضيت عطلتك الصّيفيّة"، حتّى أبحاثٍ من كلّ جنسٍ ولون، كبحثٍ من عشرات الصّفحات يناقش التّرجمة الدّقيقة لمصطلح البار كود، وآخر يتوغّل في مصطلحات الدّيبلوماسية والاتّفاقيات المبرمة في المفاوضات... وأسئلة الامتحانات الموجّهة دائماً إلى ضمير المخاطب المؤنّث... هذا عدا عن احتفاظي بكلّ نصّ قمنا بتحليله وترجمته، وعشنا معه قصّة طويلة أثناء تلك السّنوات الخمس. من هنا، فكلّما أردت العودة إلى حالة ترجمة معيّنة، أجدني أُفرغ خزانتي، وأقضي السّاعات وأنا أستطلع كلّ ورقةٍ بحدّ ذاتها، وأتذكّر المشكلات والمواقف التي رافقتها، وأقرأ تعليقات الأساتذة التي تتنوّع بين "عافاكِ! عافاكِ!" غالباً، و"حبّذا لو... ونعم ولكن...!" في بعض الأحيان. اليوم، لم أجد ضالتي المنشودة للأسف، ولكن وقعت على هذا النّص الذي كان قد وُزّع علينا على سبيل التّرويح عن النّفس. النّص بعنوان ترجمة "إبداعيّة"، بقلم تركي القصيمي، ولن أورده بأكمله لأنّه طويل (نصيحة، طالعوا بتمّعن، واكتشفوا ما نصادفه في عملنا من ترجمات مضحكة مبكية):

"حاول ترجمة لفظة software برامج؟ الجواب صحيح، ولكنّك تستطيع الإتيان بأفضل منه. ماذا عن برمجيّات؟ اللفظة سليمة أيضاً، ولكنّها لا تزال ترتكز على الجذر غير العربيّ نفسه "برمج" المشتق من program.
ماذا عن "نواعم"؟
"سوفت" تعني ناعم، و"وير" لاحقة، وبالتّالي فالتّرجمة... جيّدة.
سخيفة؟ بالتّأكيد سخيفة. ولكنّها استخدمت وأتي بها أحد الكتبة "المختصّين" بشؤون الكومبيوتر. وبالطّبع لم تبقَ تلك اللفظة في التّداول طويلاً، أو بالأحرى لنقل إنّه لم يتداولها غير الفطحل الذي اشتقها... ولكنّها تصلح على كلّ حال كمدخل لهذا المقال، فجزى الله ذلك النّويعم خيراً على هذا المدخل اليسير.
(...)
ما رأيك الآن بترجمة لفظة joy stick؟
أعلم أوّل ما سيتبادر إلى ذهنك: الموضوع حسّاس.
لنقل إنّه ليس حسّاساً إلى هذه الدّرجة، ولنحاول: "عصا التّحكم؟" لا بأس بها. "قضيب التّحكم"؟... دعنا نفكّر في غيرها. "عصا المتعة"؟ لن تجيزها الرّقابة...
ماذا عن "قضيب المتعة"؟
مريعة... أليس كذلك؟
مرّة أخرى، فهذه "التّرجمة" قد استخدمت ورأيتها بأمّ عيني على صفحات إحدى الجرائد. وهي لم ترد في صفحة حتّى نعذر كاتبها، بل أتت في صفحة... الكومبيوتر.
دعنا نجرّب غيرها...
ماذا عن ترجمة Heat Sink؟
"مسرب حراري" معقولة. "مفرغ حراري"؟ أفضل من سابقتها. "الأداة المستخدمة لامتصاص حرارة معالجات بنتيوم"؟ غير عمليّة.
ماذا عن "بالوعة حراريّة"؟
تبدو ترجمة معبّرة. "بالوعة" أحد المرادفات العربيّة لكلمة sink، وheat لا خلاف عليها.
لم ننتهِ بعد من هذه: ماذا لو حاولنا ترجمتها فيما إذا كانت simple heat sink أو dump heat sink؟
بالوعة... أقصد "مفرغ حراري بسيط"؟ معقولة. "مفرغ حراري مصمت"؟ غير دقيقة.
ماذا تقولون لو جعلناها "بالوعة حراريّة ساذجة"؟
هذه وسابقتها لم تأتيا في صفحات جريدة حتّى نجهد أنفسنا في تسويغها- وإن وردتا في "صفحة الكومبيوتر"- ولكنّهما وردتا في صفحات مجلة كومبيوتر متخصّصة.
ما شاء الله!
القائمة طويلة، ولولا عاقبة الاستطراد لأطلنا..."

شخصيّاً، أذكر يوم كنت أشاهد فيلماً لكيم بازنجر، وهي تنشد فيه أغنيةً مثيرة، تقول فيها ما معناه: قلبي، وعيني، وجسدي... وتمضي لتصف كلّ جزء من أجزاء جسدها... كان كلّ شيءٍ سائراً على ما يرام مع المترجم، إلى أن أورد "في نص دين الترجمة": قلبي وعيني ووو... وميراثي. هنا توقّفت للحظة عن المتابعة، ورحت أفكّر ما الذي خطر له كي يورد هذه الترجمة. بعد غوص في طريقة تفكير المترجم، والمعاني المحتملة، واللف والدوران، والذي منه... تبيّن لي أنّه فهم كلمةleg أي رجلها (نعم، فقد كانت قد وصلت في وصفها للقدمين) بمعنى legacy أي ميراث. يومها، أذكر أنّني استغرقت في الضّحك، وأنا وحدي. الأمثلة كثيرة. لعلّ أكثرها شيوعاً ترجمة it's a piece of cake بقطعة حلوى. لكن قد وقعت على هذه الحالة بكثرة، لدرجة أنّها لم تعد تؤثّر عليّ التّأثير ذاته. للأسف أنّني لا أذكر غيرها الآن..

بس البركة فيكم. هات تنشوف... هل مرّت بكم مواقف مضحكة أو غريبة أثناء متابعة ترجمة الأفلام أو ما شابه؟
نحنا... أو شي بيشبهنا
أنا ويّاك سهرانين بهل الليل. إنت عم تحط آخر لمسات عمقالك، وأنا عم ترجم آخر صفحة قبل ما نام. متل العادة بتدقلي. ومتل العادة، بعرف إنّو إنت، من دون حتّى ما شوف النّمرة.
- إيف، وحياتك خلصيني...
- هات تنشوف، مين منغصلك عيشتك هالمرة، المضاف إليه أو المفعول به؟
- الحقيني بالعدد: 14 قتيل و25 جريح.

للمرة العشرين، بذكرك بالقاعدة النّحوية، وللمرة العشرين بتنساها. بتضلك تقلي: إذا أنا موجودة لشو تحفظها؟ بتفضّل تتذكرني، تحكيني، على إنو تتذكر القاعدة النّاشفة. كلامك بيكون بايخ ساعتها، بس بتضحّكني. بتقرالي المقال قبل ما تبعته عالجريدة، وبتسألني عن شوية تفاصيل. بحب إنّو ما بتنام قبل ما تسمع رأيي بيلي كتبته، وأنا أصلاً ما بقصّر فيك. بحب إنّو بقدر جادلك بمشاكل الكتابة يلي بتجمعنا، من دون ما تتطلّع فيّ متل شي هبلة. بحبّ لما تحكيلي عن مشاكلك مع سحر، وتسألني السّؤال يلي ما بيتغيّر: قولِك بعدها بتحبني؟ "إيه، إيه، بتحبّك، بتحبّك يا مسطول!"

بتقول عنّي لئيمة كتير، وكتير مرات، بتضرب على راسك وبتصرخ: "إنتِ، الله يساعد اللي بدو ياخدك!". بس بترجع بتدق عبابي، وبتسألني: "بتساعديني اشتري البدلة الجديدة؟ إذا تركتيني لحالي، بوقع ضحيّة استعمار السّوق عالمستهلك التَّعبان يلي متلي، ويمكن اشتري قميص زهر، أو كرافات خضرا بنقط أورونج!" بيخطر عبالي شوي مشهد سحر والرجّال اللي لابس كرافات خضرا بنقط أورونج، وبقول حرام أعمل هيك برفيقة. بقبل؛ بتنبسط إنت، وبتاخدني بالآخر لناكل بوظة من عند أبو ليلى.

ما بعرف قدّيش صارلنا أصحاب. يمكن من قبل ما يبلّش الزمن. جرّبنا نحب بعضنا هيداك الحبّ، بس ما ظبطت معنا. بتعرف؟ منيح يلي ما ظبطت معنا. منيح يلي ما كرهنا بعضنا. وإلا لمين كان بدي إشكي همّي كل ما كسرولي قلبي؟ وقدام مين كان بدي جن وفش خلقي، وهو يتحملني بكل حالاتي؟ قلّي. مين يلي كان بدّي حِبّه متل شي إم بتخاف عولادها، وهو يحضني متل إخت صغيرة، بلا أحكام سابقة وكليشيهات، بلا ما نظرات العالم تحكي علينا، بلا ما الحب يتحوّل لحقد متل عشاق هالإيّام...

بكرة عرسك. من بكرة، هتبطّل تدقلّي بالليل، وأنا حصير ترجم لوحدي. إشيا كتير رح تتغيّر، على طول. اليوم، نزلت عالسّوق. ما كنت عارفة شو بدّي جبلك هديّة. كان بدّي شي غير عن كلّ العالم، لا مكواية، ولا غسالة، ولا ما بعرف شو كمان... بالآخر، جبتلك لوحة لرسّام إنت بتحبّو. فيها شمس، وفيها ولاد عم يلعبوا عالبحر... بكرة رح نرقص. بكرة رح نخوَت ونجنّ. رح تلبس البدلة اللي نقّيناها. رح نتصوّر، ونقوم عالدّبكة، وتقرصني العروس. وبعدين... بعدين، بيضل في صورة، معلّقة عشي حيط، لولاد عم يلعبوا عالبحر.
أسبوع في روسيا
ماذا أقول عن روسيا؟ إنّ كلّ شيءٍ كان جميلاً؟ رائعاً؟ باهراً؟ لا، فإنّ كلّ هذا تقصيرٌ في حقّها وحقّ كلّ ما شعرت به. روسيا انتشلتني منّي بكلّ بساطة، وفضفضت عنّي همومي، وألبستني ثوباً جديداً، ثمّ تركتني وأنا لمّا أشبع منها بعد.

بدأ الأمر قبل حوالى أيّام. يوم إقلاع الطّائرة في ساعات الصّباح الأولى، كان بعض القلق يساورني. فقد كنت قد ترجمت، قبل سنةٍ ونصف تقريباً، ثلاث حلقات عن فيلم وثائقيّ يتطرّق بالتّفصيل المملّ إلى الهفوات والأخطاء التي تُرتكب على المدرج، وفي برج المراقبة، وفي الجوّ، فتؤدّي غالباً إلى فناء عددٍ لا يحصى من الرّكاب سنويّاً. أذكر أنّني، حينذاك، بقيت أسابيعَ لا أذوق للنّوم طعماً، كما بقي طيف هذه الحلقات الثّلاث يلازمني منذ ذلك الحين. لا أخاف الطّيران بكلّ معنى الكلمة؛ فلحظات الإقلاع والهبوط من لحظاتي المفضّلة؛ تذكّرني بزمنٍ لم أشبع فيه من زيارة مدن الملاهي وركوب ألعابها. على الأقل، فلأقل إنّني لا أخشى ركوب الطّائرة مثل صديقتي التي جلست بجواري، ريما. ودعوني أخبركم أنّ ريما تعبّر عن انفعالاتها وتوتّرها بالقرص، وبكلّ قوّةٍ أيضاً. مهما حاولت أن أقول لها: "يا بنتي، يا حبيبتي، بلا القرص الله يخليكِ!"، فإنّ بال ريما لا ينشغل إلا بمحرّكٍ توقّف، وجناحٍ احترق، وطائرة على وشك السقوط. لكن عليّ أن أعترف أنّ سقوط الطّائرة القبرصيّة يوم عودتي قد جدّد مخاوفي ثانيةً (حرام سِتّي شو هسترت). وسقوط الطّائرة الكولومبيّة اليوم سدّد لي صفعةً أخرى. لكن هذه قصّةٌ أخرى...


Katia

كان النّوم في الطّائرة صعباً، بل يكاد يكون مستحيلاً. وهكذا بقينا مستيقظين حتّى اللّيلة التّالية. أي ما يزيد عن ستّ وثلاثين ساعة من غير نوم. لا تسألوني كيف يتأمّل المرء مدينةً استثنائيّة بجفنين نصف مغمضين. بعد الانتظار الطّويل (جدّاً) في مطار موسكو، استقبلتنا كاتيا بمندليها البنفسجي الذي علّقته على هوائيّ سيارةٍ قديم، ولسوف تواظب على التّلويح به طيلة الرّحلة. تردّد دائماً: "هيّا يا صيصاني (mes poussins et poussinettes)" ولا تتردّد بالكشف عن أنيابها كأمّ ذئبة إذا دعت الحاجة إلى الدّفاع عنّا. تألّف الفريق من أربعة عشر شخصاً، معظمهم من السيّدات الكبيرات في السنّ. رفقتهنّ ممتعة إلى أبعد حدّ، وأصواتهنّ ما تزال ترنّ في أذني بوضوح، حتّى وأنا أكتب هذه السّطور (طقطقولي خواصري من الضّحك!). أمّا نحن الاثنتان، فكانت المجموعة تطلق علينا اسم الأولاد: "يلا يا ولاد، وين راحوا الولاد، تعوا يا ولاد..." وهيك شي... كما التصقت بنا صفة "الرّوعة". والسّبب في ذلك أنّنا أينما توجّهنا، لا نتمالك أنفسنا من كثرة الجمال المحيط بنا، فنهتف: "واو... بيعقّد،" وبالأخصّ "رائع!" وهكذا، صار كلّ شيءٍ رائعاً، وصارت هذه الكلمة متداولةً بين الجميع: "شو رائعة هالصّدفة، هالنّطرة، هالبخعة، هالوقعة..." كل شي رائع! لفتني أيضاً أنّ أشخاصاً عديدين فتحوا لنا، أكثر من مرّة، قلوبهم، سواء من الرّوس أم من اللّبنانيّين. أكثر من مرّة، وجدتني أنصح أشخاصاً لوّعهم الحبّ. أنا؟ أنصح سيّدةً خمسينيّة عن الحبّ، وأصغي إلى اعترافاتٍ رجلٍ وحيد؟ أنا، بعلاقاتي الفاشلة فشلاً ذريعاً أستحيل حكيمةً في هذا المضمار؟ ربّما. فالحياديّة أحياناً تسبغ عليك صفة الحكمة.


Road to Heavan

أمّا الرّوس... يا عيني عالرّوس! صحيح أنّهم لا يفهمون غير الرّوسية، وأنّ التّفاهم معهم شبه مستحيل، إلا إذا استخدمتَ لغة الإشارات، والورقة والقلم أيضاً (لكن هناك لغة العيون أيضاً!) العثور على روسيّ يجيد الانكليزيّة أشبه بالبحث عن إبرةٍ في كومة قش. هذا من ناحية. أمّا من ناحيةٍ أخرى، الأمر مسلّ من حيث أنّك تستطيع أن تتكلّم عن الشّخص الواقف أمامك من دون أن يفهم كلمةً ممّا تقول. ومع أنّ بعضهم باردٌ وفظّ للوهلة الأولى، إلا أنّك تستطيع أن تكسر هذه البرودة إذا اكتشفت سرّ ابتساماتهم، ونظرات عيونهم (آه، من عينيّ ساشا الخجول!) أمّا الطّعام الرّوسي، فحدّث ولا حرج. يخيّل إليك أنّ رائحةً غريبة تفوح في طعامهم، في جوّهم، في كلّ ما يحيط بهم، حتّى تتغلغل في أنفسهم ونظراتهم. لعلّها عشبة. لعلّها شجرة. لكنّها الهواء الآخر الذي يتنشّقه الرّوس. ولهذا صعب عليّ أن أقترب من طعامهم. ماذا أكلت؟ البيتزا طوال الأسبوع. (عيني ما تشوف البيتزا بقى!).


Eglise Saint-Sauveur

الكاتدرائيّات كثيرة كثيرة. وهي فخمة سواء من الدّاخل أم من الخارج. يبدو هذا العدد الضّخم غريباً بالنّسبة لشعبٍ عاش في ظلّ الشّيوعيّة طوال عقود. لكن بين دير نوفيديفيتشي وسيرغي بوساد، وكنائس (St Basil, Assumption, Annunciation, Christ the Savior, etc…)، تحار العين أين تجول.


Ermitage

المتاحف مليئة باللوحات العالميّة والغرف المطلية بالذّهب من أولّها إلى آخرها... لدرجة أنّنا عندما بلغنا متحف بيترهوف في اليوم الأخير (بعد Ermitage, Trinity Sergij Lavra, Katherine the Great Palace, etc...)، كانت العين قد شبعت ذهباً. لكن هذا لا يهمّ، لأنّ بيترهوف جنّةٌ على الأرض، وهو مشهور بحدائقه ونوافيره أكثر من القصر نفسه. تجدر الإشارة إلى أنّ معظم القصور والمتاحف، بكلّ جمالها الخاطف للأنفاس، كانت قد دُمّرت تماماً في الحرب العالميّة الثّانية على يد الألمان. لكنّ هؤلاء ما لبثوا أن كفّروا عن ذنبهم وساهموا في إعادة ترميمها. وهكذا، في معرض استفتاءٍ جرى مؤخّراً، ظهر أنّ معظم الرّوس غير ناقمين على الألمان، بل يعتبرونهم كأيّ شعبٍ آخر.


Gorka!

وإذا كنت قد أحببت موسكو، فقد أغرمت بسانت بيترسبورغ. في مطلق الأحوال، لطالما ربطتني حالة عشقٍ بالمدن التي تجري في أوردتها الأنهارُ. والنّييفا في هذه المدينة له سحرٌ خاصّ. عند الثّانية بعد منتصف الليل، تنشقّ الجسور كلّها لثلاث ساعاتٍ كي تتيح للسّفن كافةً المرور، في مشهد يكاد يكون عرساً ليليّاً. المرشد السياحيّ أندريه أكثر من رائع (ريما ستفهمني!)، وجوّ المدينة أشبه ببلدةٍ صغيرة. ستصادف عروساً وعريساً كلّ خمس دقائق. عند ذاك، عليك أن تهتف بكلّ قوّتك "غوركا! غوركا!" ومعناها: "مرّ!". بمعنى أنّك تتذمّر من مرارة الحياة، وتطلب شيئاً عذباً ليكسر هذا الطّعم. عند ذلك، تأتي قبلة العروسين لتضفي حلاوةً وتريح قلبك المرير. احترس فقط ألا يقبّلك أحدٌ عن طريق الخطأ، أو لا تحترس!


Autour du Kremlin

كنّا نسير النّهار بطوله (والنهار هناك يستمرّ حتّى العاشرة والنّصف ليلاً، إذا لم تصادفك الليالي البيضاء)، فينتابنا ذلك الشّعور بالألم، لكنّه الألم اللذيذ الذي لا تشبع منه لأنّه مجبولٌ بالمعرفة والاكتشافات والجمال.. الجمال الذي تسكر من جماله. انفصلت عن المجموعة، واستقلّيت الحافلة، وجلت في الشّوارع (لكن نصيحة، لا تتجوّلوا في شوارع موسكو ليلاً، خاصّة إذا صادف أنّكما فتاتان وحيدتان). اكتشفنا حياة القياصرة وشجرة عائلاتهم بأكملها، خاصّة كاترين الثّانية التي وجدت أنّ طموحها يحدّه زوجها الضّعيف، فتآمرت مع اثنين من عشّاقها على خنقه، وأصبحت حاكمة استثنائيّة (سمعتوا يا بنات، ما تخلّوا شي يوقف بطريقكم!) والمشكلة أنّ كلّ الأمكنة التي زرناها لا تكاد تبلغ النّصف ممّا كان يجب أن نزوره. فضيق الوقت لم يسمح حتّى بأن نمعن في التّأمّل والتّقدير. لذا، فزيارةٌ ثانية وثالثة لازمة لا بل ضروريّة.


Peterhof

ما زال الكلام طويلاً، والذّكريات أطول. رحلة القطار، والسّاحة الحمراء، وشارع نفسكي، والباليه الرّوسي، وأغنية كالينكا، والكثير الكثير من المواقف والصّور الممتعة... ما زال قلبي يعزف على نغم موسكو، ويشتاق إلى أرجاء سانت بيترسبورغ. أقسم أنّه، رغم اشتياقي لأهلي وأصدقائي، فإنّ غصّة خالجتني حين نمت على مخدّتي بعد عودتي؛ وشيءٌ منّي تركته في تلك الأرض الباردة لن أستعيده حتّى أعود إليها ثانيةً. عرفت الآن ما هو الشّعور الغريب الذي كتبت عنه آخر مرّة: الشّيء الذي أفعله للمرّة الأخيرة لكن لا أدري ما هو. إنّه القلق، والتّأثر بالمشاكل البسيطة، والاستسلام من أوّل زلّة، والغرق في الحضيض... لن يحدث ذلك ثانيةً، طالما أنّني أعرف أنّ مكاناً كهذا موجودٌ على ناحيةٍ أخرى من الكرة الأرضيّة.

تكلّمت كثيراً. لكن هذا سجلي للزّمن القادم. أترككم مع بعض الصّور الإضافية التي "يفترض" ألا أبدو فيها بوضوح. (يلا، هالمرة بس، كرمال خاطر الخلفيّة الروسيّة). دسفيدانيا! :-)
ملاحظة: على سيرة الكلمات الرّوسية، من الكلمات التي تعلّمتها هي "سباسيبا" أي شكراً. يا ويلي شو شكرت ناس وعالم! مبسوطة بحالي وبهل الكلمة.

Moscow's Metro



Pushkin/St Catherine



The cutest child ever!



Kremlin



Sergiev Posad



Look what I did!

Off to Russia!
حانت لحظة الصّفر! إيفوشكا تطير اليوم إلى روسيا!
أسجّل غيابي عن هذا المكان للأيّام القادمة؛ لكنّ حضوري في سراديب نفسي سيكون قويّاً.
أعطي ذاكرتي إجازةً لأنسى فيها كلّ ما ورائي، وهناك سأذكرُني وأتعرّفُني كما لم أفعل قبلاً.
سأجد نفسي في تلك الأرض الغريبة. ربّما، بطريقةٍ من الطّرق.
سأجمع زاداً من القوّة والحياة والضّحكات، لأعود وأنجز هنا كلّ ما خانني ضعفي في إنجازه.
سأعود امرأةً أقوى...
لا، لن أعود.
امرأةٌ أخرى هي التي ستعود.

لمن يسأل عني، سأكون هناك:


novodevichy-panorama[1]


أستمع للكلمات التي صدح بها الرّائع كاظم تحت سماء بيت الدّين قبل حوالى أسبوعين. عندما أُغرم بأغنية، أهديها لكلّ من حولي. هديّتي لكم هي، هذا اليوم.

ملاحظة: لا تنسوا أن تتركوا أسماءكم على الخريطة في الجهة اليمنى من المدونة. أحبّ أن أعرف من أنتم الذين تمرّون بمدونتي، ولو من حين إلى آخر.

ملاحظة أخيرة: ينتابني شعورٌ غريب. كأنّ شيئاً ما أفعله للمرّة الأخيرة، ولكن لا أدري ما هو. أترككم في سلام.

آن الأوان
رحلتُ... لأنّني لم أعد قادرة على تناول فناجين القهوة معك كلّ صباح.
لأنّ كلامك اليوميّ يحرقني أكثر من صمت اللّحظات.
لأنّ النّظر في عينيك بات كالنّظر، كلّ يومٍ، في الفراغ.
لأنّني لا أرى في مرآتك إلا تجاعيد وجهي والهالات السّود بعد البكاء.

رحلتُ لأنّني لم أعد قادرة على الوفاء في زمن اللاوفاء.
لأن لا أطفال لنا يستحقّون انتظاري؛
ولو كان لنا طفل، لا أدري إن كان سيستحقّ الانتظار.
لأنّه في نهاية العمر، لا أريد أن أتقلّب على السّرير، فتلفحني منك بقايا أنفاس.

رحلتُ بلا حقائب. بلا أطر الصّور والأحلام
رحلتُ ببساطة، بلا استئذان
لأنّ الباب كان مفتوحاً
والعمر كان مهدوراً
والإنسان...
رحلت لأنّ سجن الوحدة أرحم ألف مرّة من جثّة الذّكرى بعد النّسيان


أصمت.
لا تتكلّم الآن.
فقد رحلتُ لئلا أسمع منك أيّ كلام.
هل أنت مدمن تدوين؟
وجدت هذا الاختبار في مدونة الشّامل، من تقديم رامي. يبدو أنّني لست مهووسة تدوين كما كنت أعتقد! الأرقام تقول إنّ نسبة الإدمان بلغت عندي 43.75%، ومدونتي لا تتملّكني تملّكاً كاملاً. يذكّرني الاختبار بأعراض التّدوين التي قرأتها قبل مدّة في مدونة م.م.م.
وأنتم، إلى أيّ حدّ صارت مدوّناتكم تنعكس على وجوهكم، وتصرّفاتكم، وحياتكم بأكملها؟


43.75 %

My weblog owns 43.75 % of me.
Does your weblog own you?
Birthday Girl

عندما كنت صغيرة، قرّرت أنّني سأصبح كبيرة في سنّ السادسة عشرة. وعندما أصبحت في السّادسة عشرة، قرّرت أن أكبر عند الثّامنة عشرة. وعندما بلغت الثّامنة عشرة، قلت: لا، ما زلت طفلة، لمّا تنته سنوات المراهقة بعد. وعند العشرين، أجّلت عالم الرّاشدين حتّى الخامسة والعشرين. واليوم، ألتفت إلى الوراء لبرهة، ثمّ أجتاز هذه العتبة بتردّد. ترى، هل أنا جاهزة؟ هل يمكن للرّاشدين أن يسلّفوني بضع سنواتٍ على الحساب؟ ألا يمكننا أن نبقى أطفالاً ونحن في الخامسة والعشرين؟ ونحن في الثّلاثين؟ ونحن ننضح عمراً ونضوجاً وحكمةً وخرفاً ودمعاً وشيخوخةً؟ هل يمكننا أن نبقى أطفالاً، وكلّ ما حولنا يجبرنا على الكبر، رغماً عنّا، لون المطر وسحابة الأمل المغبرّة وراء الأفق؟


هل يمكنني أن أتعلّم من جديد، ولو لبرهة، ولو لومضة عين، ولو لخفقة قلب، لغة عينيها؟


3

5

4

2



ملاحظة: شكراً لعلاء على هديّته الرّائعة. أثّرت فيّ فعلاً.
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER