تعرفه/تعرفينه ذلك الإحساس حين تعود إلى مكانٍ خاصّ بعد سنواتٍ من الهَجر طويلة؟
المكان الذي ركضتَ فيه صغيراً، حتّى أكلَتْ أرضُه من قدميك، وسقيتَها أنتَ من دماء زَلاتك المتكرّرة فوق حجارها ومطبّاتها؟
المكان حيث كنت تنسجُ في الخيال أحبّةً وهميّين، كي تسأل الورد إن كانوا ما زالوا على حبّهم أم لا؟
المكان إلى حيث تعود بغمضة عين، بخفقة قلب، كلّما تغلغل فيك بالصّدفة عبيرٌ مألوف، عبير زهر اللّيمون في أوائل الرّبيع؟
المكان حيث مجاري مياه الرّي خطفت منك قبّعات القشّ وفردات أحذيةٍ عديدة، فاضطررتَ للعودة إلى البيت قفزاً على قدمٍ واحدة، أو حفياً في أغلب المرّات؟
المكان حيث شجرة الياسمين التي ظلّت صامدةً فترةً طويلة؛ تصنع بفضلها، سنةً تلو الأخرى، عقوداً من العطر، تدوم زهاء يومين لا أكثر؟
تعرفه ذلك المكان؟ والغصّة، تعرفها؟
نبتة الياسمين لم تعد موجودةً اليوم، والعريشة تكاد تيبس، ومجاري الريّ جفّت أو لم تعد تستعمل للرّيّ، والبركة أمست مكبّاً لكلّ شيءٍ ما خلا الماء، والبيت قذرٌ لم يدخله أحدٌ منذ سنين...
لكنّني اليوم... اليوم أخيراً... وجدت ما كنت قد أضعته قبل زمنٍ بعيد.
المكان كلّه كان يصرخ باسمي.
وغداً سأعلّم صديقي الصّغير أن يصغي لاسمه أيضاً.
|
نوستالجيا جميلة!