أنا ممتنّة لكلّ التّفاصيل الصّغيرة التي تصنع يومي. ممتنّة فعلاً (تقولها وهي تعضّ على أسنانها) فعلاً فعلاً!
ابن الجيران "مفقوس" اليوم. والحيّ بأكمله مجبرٌ على مشاطرته تقلّبات مزاجه. بين نحيب هاني شاكر الذي يزعق في الشّارع، وعويل الأغاني التي تجاري أغنية "دايماً دموع" الشّهيرة في نمطها، لم يعد أدنى شكّ يساور أيّ قاطنٍ في حيّنا: "الصّبي مكسور الجناح/مفطور القلب يا عيني!" بطبيعة الحال، أيّة محاولة للطّلب منه، ولو بلطف، أن يخفض من الصّوت الذي يخترق الآذان هذا، ترتدّ، ويا للعجب، بطريقةٍ سحريّة: جرّبوا، وستلاحظون بأنفسكم أنّ مستوى الصّوت يعلو ويعلو! ترلم لم لم! لكن لحسن حظّنا، و"طقّوا موتوا"، يعني "نيّالنا والذي منه"، فإنّ حبيبة القلب حين تنعم عليه بالرّضى، نستلذّ نحن بآخر صيحات عمرو دياب ونانسي عجرم، و-إذا كنّا عاقلين وشطّورين- إليسا وهيفاااا! بعبارةٍ أخرى، الحفلات شغّالة عندنا بشكلٍ متواصل. وعلى طريقة أطلب تجد!
أَنظر إلى الفصل الأخير من الكتاب/الأزمة. بقيت مراجعة هذه الأوراق، وأنتهي منه! أنظر إلى الفصل مرّة أخرى... الورق مختوم بما يشبه الشّمع الأحمر، وصفّارات الإنذار تندلع منه، وعبارات التّحذير تتدفّق ذات اليمين وذات اليسار: "حذار، حذار! نصّ فاشل وغير مفهوم!" بين علامات استفهامٍ تكاد تسوّد بعض المقاطع من هنا، وكلماتٍ شخصيّة على نسق (شوووو؟!! كاتب مسطول! شو هالكرشوني على صيني هيدا) وشتائم أخرى مرّت عليها الرّقابة من هناك، ينبغي الإقرار أنّ حوّاء المترجمة لم تسهّل المهمّة كثيراً على حوّاء المراجِعة، ولم تهيّء لها الأجواء التي تبشّر بخير! في نهاية المطاف، وبما أنّ ختامها كان مسكاً فعلاً، "انسدّت نفسي" كما يقال!
عوضاً عن ذلك، حوّاء ذهبت لتمارس الرّياضة (وأيّما رياضة). رياضة "الشّوبنغ" طبعاً. هناك، في قلب ذلك المتجر، وقعت إيف على جزدان/حقيبة أحلامها. كان هناك، يتلألأ في البعيد. نظرت إليه، فعرفت من النّظرة الأولى أنّه سيكون لها، وأنّ أيّ امرأةٍ أخرى لن تحصل عليه قطّ (على جثّتي!)... في الواقع (عن جدّ هلّق)، كنت قد صادفته قبل شهرٍ تقريباً، لكن وجدت أنّه لا يساوي الثّمن الخياليّ المفروض عليه. صاحبة المتجر، فلنسمّها العقربة السوداء (ليس إجحافاً، فهي لم تكن لطيفةً حقّاً)، خفّضت قدراً يسيراً من السّعر، ثمّ رفضت أيّ نقاشٍ إضافيّ رفضاً قاطعاً. اليوم، جرّبت حظّي مرّة أخرى. كان التّخفيض هذه المرّة أكبر على يد الموظّفة، فيما العقربة السّوداء مشغولةٌ في ركنٍ آخر من أركان المحلّ. ففكّرت: "أأجرؤ؟... يلا، وماذا سأخسر؟" - ولَوْ، نزليلنا السّعر بعد! (مع ابتسامة عريضة وتدبيل بالعينين) ترتبك البائعة؛ تسأل صاحب المحلّ هذه المرّة. ينظر إليّ. أقسم أنّني كنت قد توقّفت عن الابتسام حينها. أم لم أفعل؟ لا أعرف. خلاصة القول، الثّمن هبط بشكلٍ جنونيّ! فضبطت أعصابي حتّى لا أفغر فاهي وأهرع إلى القول: "هاتِه في الحال!". وبعد أخذٍ وردّ، وامتناعٍ متصنّع، أصبح حضرة الجزدان ملكي! المغزى من سرد هذه القصّة بأكملها هو تلك اللحظة التي لا تساوى بملايين الليرات، حين هممت بدفع الثّمن إلى صاحبة المتجر بابتسامةٍ ماكرة، فكاد يجنّ جنونها عندما علمت أنّ زوجها قد خفّض السّعر إلى هذه الدّرجة: "الأحمق، يبدو أنّه أفاق من النّوم لتوّه!". أمّا أنا فحملت حقيبة أحلامي، وأرسلت إلى البائعة ابتسامةً معناها "قلبي معك"، ثمّ خرجت على وقع خطوات العقربة السّوداء المهرولة وهي تتوعّد زوجها بحوارٍ ساخن...
ألم أقل لكم إنّني ممتنّة؟ :) |
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.