بحثت هذه السّنة عن جديد عيسى مخلوف في معرض الكتاب، فأتى بحثي، للأسف، خائباً. نتيجةً لذلك، اضطرني الأمر إلى تنفيس غضبي، أو خيبتي، في أحضانٍ أخرى. فعاقبت عيسى بالهرب مع بول. بول شاوول، أقصد. الكتاب الأوّل، "عندما كانت الأرض صلبة"، كان استثنائيّاً، ومنه أُورد المقتطفات التّالية التي أطلب قراءتها بتمعّن. ومع أنّ بول ليس بعيسى (وعيسى طبعاً ليس ببول)، إلا إنّني ماضيةٌ الآن على متن رحلته الثّانية، "منديل عطيل".
الولد الرّقيق: كان ولداً رقيقاً رقيقاً كخيط البكرة، تخلط أمّه بينه وبين البيجاما أحياناً، وبينه وبين القميص أحياناً أخرى. البيجاما تُلبسها بيجاما أخرى، وهو، تعلّقه في الخزانة؛ القميص ترسله إلى المدرسة، وهو ترسله إلى المصبغة.
لحظة رومانسيّة: في غرفته المليئة بالأزهار لمح فراشةً حطّت على زهرة. كان جناحاها يلمعان بقوّة اللون الأصفر المبقّع بالكحلي وبالنبيذي. اقترب منها وأحسّ بجناحيها يرفّان على وجهه. وقع في لحظة رومانسية لم يعرفها منذ زمانٍ بعيد. لكنّه، فجأةً، راح يطارد الفراشة، من إناء إلى إناء، ومن زهرة إلى زهرة، حتّى التقطها؛ عندها رفعها أمام عينيه، رفعها لحظة طويلة أمام عينيه، تفرّس بها، قرّبها من وجهه، لامسه بجناحيها، ثمّ معسها بيديه القوّيتين.
الصّوت والجسد: كان من زمان يحبّ أن يسمع صوت امرأة. لأنّه كان يظنّ أنّ صوت امرأة هو جسدها. مرّة رأى امرأة ولم يسمع صوتها. عندها اعتبر أنّها بلا جسد. مرة أخرى سمع صوت امرأة ولم يرها. عندها اعتبر أنّها جسد قريب. تبع الصّوت طويلاً لكنّه فقده في المدينة المكتظّة. عندها اعتبر أنّه فقد جسد امرأة لن ينساه أبداً.
النّسوة الثّلاث: تقدّمت ثلاث نسوة من قبره. الأولى ألقت عليه وردة حمراء وانتحبت. الثّانية وضعت عليه رغيفاً ورحلت. أمّا الثّالثة فخلعت قميصها وبسطته عليه بهدوء، وبقيت هناك طويلاً.
حوار: لماذا تريدني أن أقول لك ما لا تريد أنت أن تقول لها وما لا تريد هي أن تقول له وما لا يريد هو أن يقول لهم وما لا يريدون هم أن يقولوا لهم وما لا يريدون هم أن يقولوا لهن وما لا يردن هن أن يقلن لها وما لا تريد هي أن تقول لكم وما لا تريدون أنتم أن تقولوا لها وما لا تريد هي أن تقول لي وما لا أريد أنا أن أقول لها.
حكايات الرّسام:
دمعة واحدة: عبّأ الورقة كلّها بالوجوه. كدّس الوجوه على الوجوه. لكنّه ترك في أسفل الورقة نقطة صغيرة. نقطة فارغة، زربت منها دمعة. دمعة واحدة لكلّ هذه الوجوه الكثيرة.
باب اللّوحة: نسي الرّسام باب اللوحة مفتوحاً: دخلت فراشة وسرقت منها كلّ ألوانها.
الحنين: كلّما رسم على ورقة بيضاء حنّ إلى ورقةٍ بيضاء أخرى.
عطش: نسي العصفور في اللوحة فمات من العطش.
اللقاء: في اللوحة الأولى رسم امرأةً تمشي. في اللوحة الثّانية رسم رجلاً ينتظر. أحزنه كثيراً أنّ تلك المرأة وذلك الرّجل لم يلتقيا أبداً.
النّصف الآخر: رسم نصف اللّوحة على الورقة، والنّصف الآخر على شفتيه.
العودة: العصفور الذي نسي أن يرسمه في العام الماضي، عاد إليه هذا العام. كان في المقهى. حطّ العصفور على رأسه، فعلى أنفه، فعلى نظّارتيه، فعلى يديه، وبقفزة واحدة دخل إلى اللّوحة، وبقي فيها طويلاً. |
Nice excerpts. Not sure I can handle a whole book of random images though. Unless there is something keeping the mosaic together.
As for YOUR author. You're in Beirut , there is ALWAYS someone who knows someone that can get you anything you desire. Banned books, classified intelligence reports, autographed Bibles,etc...