mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
إلى راجح
كنت أعرف يوم رأيتك للمرّة الأخيرة أنّها ستكون المرّة الأخيرة. لا تسألني كيف. عرفت وحسب. ذلك اليوم، بعد أن غادرتُ الغرفة حيث تقبع منذ بضعة أشهر، ووقفت جامدةً أنتظر المصعد بين أروقة مستشفى أمقت رائحته، هرعت عائدةً إليك. احتضنتك بصمتٍ لا أكثر. احتضنتك ومشيت. اعتدت ألا أنتظر منك كلاماً. كانت الصّرخة في عينيك بديلاً عن كلماتٍ لطالما ولدت مَيْتةً على لسانك. كأنّك كنتَ تتوسّل إليّ، ساعتذاك، أن أبقى بعد. لحظاتٍ بعد... ومهما حاولتُ، أبداً لا أنسى منظر عينيك عند الوداع.

عامان كانا قد مضيا، ونحن نحطّ رحالنا كلّ مرّة في مستشفى جديد. عامان وأنا لا أعلم هل الإنسان المحبوس داخل جسدك المريض يعرفني، أو يذكرني، أو حتّى يذكر ما قد يشبه وجهي في مناماته. عامان طويلان، قاتلان، يطبقان على الحناجر، يفتّتان العظام، ببطءٍ، بصبرٍ، بتلذّذ. عامان انصرم حبلهما في مثل هذا اليوم، قبل ثلاث عشرة سنة.

منذ ذلك اليوم في حياتي، كم من حجرٍ قلبتُ، وكم من صخرةٍ كسّرتُ، وكم من جدارٍ وقفتُ في ظلّه هنيهةً ثمّ أوليته ظهري ومضيتُ... منذ ذلك اليوم، صدقاً، كم من طريقٍ سلكتُ، لأهرب منك أنت!

هذه السّنة، أنا عنك في غربة. كأنّ ذلك اليوم لم يكن يوماً. كأنّه لم ينحت حياتي على النّحو الذي هي عليه. كأنّه لم يجبلني بترابه الدّامي، ولم ينفث في وجهي بعضاً من غباره المصفرّ. كأنّني لم أحمله في صدري جرحاً موبوءاًَ في كلّ لحظة، ولم ينسني الزّمن على عتبته، ثمّ يمضي في سبيله نحو حياةٍ استمرّت، معي أو بدوني. سيّان... فقد استمرّت دونك، بالتّأكيد.

هذه السّنة، قلبي على نفسي التي ستخمد آخر ومضاتها، يومَ تزول ذكراك الأخيرة من زواياها.. يومَ أفيق فجأةً، فأمسي امرأةً أخرى، ويمسي لون عينيّ مسروقاً من امرأةٍ أخرى، وضحكتي ضحكةً هازئة، ووجهي لا يشبه وجهك قطّ.

ماذا يمكن أن يُقال عن يومٍ، مضى منذ ثلاث عشرة سنة؟ ماذا يُقال كي لا يُبتلى المرء بطاعون النّسيان؟
لم يكونوا بحاجةٍ إلى إعلامي برحيلك، من حملوا إليّ الخبر. حين فتحتُ لهم الباب، حاولت أن أطيل مدّة بقائك رغماً عنهم: لم أترك لهم مجالاً للكلام. عدت سريعاً إلى مها، لنستأنف دروس امتحانات الغد. عدت إليها لأسرق ضحكاتٍ مشروعة أخيرة. عدت لأختم معها ما تبقى من عهد طفلة. لأتظاهر بالشّجاعة. لأبني حاجزاً منيعاً في وجه السّيل المتدفق. لأسرّ لنفسي أنّ عالمي لم يتغيّر للتوّ. لأهرب من النّظرات الحافلة بالشّفقة والابتسامات ذات الحنان الذي لا يُطاق...
فلماذا إذاً أجشهتُ بالبكاء ساعة أخبروني عنك؟

أتعرف؟ أحياناً، حين يجفو منّي الرّقاد، أبقى ساهرةً على صوت فكرةٍ واحدة: أنّني، أثناء ذانك العامين، قد خلّفتك في إحدى الغرف، وتمنّيت لو أهرب من هذه الأجواء الكئيبة، وألعب مع أترابي كما كنت أفعل في الماضي. وتقضّ لي هذه الأمنية، وحدها، مضجعي اللّيل بطوله.

لا أحبّ أن أذكر هذه الصّورة. أمقتها، وأمقت نفسي معها. لكنّ عينيك يا أبي، أبداً لا أستطيع نسيانهما...
19 Comments:
  • At ٢٢/١٢/٠٥ ٧:٠٠ ص, Blogger Ramzi said…

    Eve... I can't describe to you what reading this has made me feel. I wish you never had to write it, I wish I never read it.

    If... no not if. When. When the time comes for me as well, I hope you would be no farther than a phone call away.

    God damn it Eve.
    Thank you.

     
  • At ٢٢/١٢/٠٥ ٧:٠٠ ص, Blogger Ramzi said…

    May he rest in peace...

     
  • At ٢٢/١٢/٠٥ ٩:٣٢ ص, Blogger Delirious said…

    Eve I hate you.
    You made me cry.
    You made me remember.
    Those memories never seem to want to go away. Those memories hurt too much, dammit.

    Come here for a *hug*.
    And as Ramzi said... Thank you.

     
  • At ٢٢/١٢/٠٥ ٩:٥٦ ص, Blogger Maldoror said…

    Merry Xmas and a Happy New Year to you Eve :)

     
  • At ٢٢/١٢/٠٥ ١٠:٢٠ م, Anonymous غير معرف said…

    سلام
    لا تسعفني الكلمات
    لكن الاكيد ان مشاعري قد لمستك

     
  • At ٢٣/١٢/٠٥ ٧:٤٧ ص, Blogger Eve said…

    Ramzi, inshalla the time won't come for you! I'm sorry that reading this has disturbed you. you know I will always be there for you, my friend.

    Delirious, don't try to keep the memories away.. they are meant to stick with you forever.. sorry i made you cry, *hugs*

    w inta kamein, Maldo! :)

    thx Assaad, I hope he is.

    Rayhane, c'est sur! je suis chanceuse que tu me lises depuis tjs..

     
  • At ٢٣/١٢/٠٥ ٥:٥٧ م, Blogger BOB said…

    Like a haunting thought, on a moonless cold night
    and sleep seems world away, I try to shun it
    Like the inevitability an oncoming train's light I try to run from
    But with every dawn and every dusk that day creep closer still
    C'est al vie as they say
    What a retched life, and what haunting look that last one must feel
    All my sympathies …

    Forgive me, if this is out of place
    but I cannot but have a thought for a man that I don't know
    Who as they say suffered what no man has to suffer, losing his own child
    Not once, or twice but thrice
    Ghassan Tueni, what a man, what a fate…

     
  • At ٢٤/١٢/٠٥ ٢:٣١ ص, Blogger Aladdin said…

    Well, who can ...eve?!! I almost had tears in my eyes after reading this blogging 'masterpiece'.

    You never cease to amaze us ...

    You're such a sorceress! (3la asaas ann mena albayan lase7ra).

     
  • At ٢٤/١٢/٠٥ ٢:٣١ ص, Blogger Aladdin said…

    أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

     
  • At ٢٤/١٢/٠٥ ٣:٤١ ص, Blogger AZ said…

    وشم قديم,,, اتراها الوشوم تؤلم بعدما نقشت بسنون؟

     
  • At ٢٤/١٢/٠٥ ٤:٢٧ م, Blogger Nour said…

    ..ليه يا إيف

     
  • At ٢٤/١٢/٠٥ ١٠:٣٢ م, Blogger Eve said…

    Bob, you're right, may God help him, and help this country..
    btw, wein iyyemak, still blogging secretly?

    Aladdin, thx you dearly, I hope I'm a good, not so dark, sorceress :)

    Az,
    هي بتؤلم، بس إحنا بنلتهي عن الألم بأشيا كتير.. لحسن الحظ.

    نور،
    يعني، بعض الأشيا بتحصل كده، من غير سبب :)

     
  • At ٢٥/١٢/٠٥ ١٠:٠٧ م, Blogger Muhammad Aladdin said…

    يمكنك صياغة الشعور الأسوأ بطريقة منتاهية الجمال
    شابو، ايفو
    :)

     
  • At ٢٦/١٢/٠٥ ٥:٣١ م, Blogger Eve said…

    :)
    كمشتك! وين ضايع هالإيام :p?

     
  • At ٢٢/١/٠٦ ١٠:٥٦ م, Anonymous غير معرف said…

    Eve ..

    Thank God for creating you after Adam ...


    I'll be waiting for your novels.

    Don't ever stop..

     
  • At ١٩/٥/٠٦ ٩:٢٢ م, Anonymous غير معرف said…

    بتعرفي شي...كنت بقرا و بقرا لوصلت لآخر جملة ،،و انفجرت بكي! بابا كمان اسمه راجح
    و ما بتخيل إني بقدر أحب شي قد ما بحبه متعلقة فيه لآخر درجة،،لأنه الله جسدلي ملاك في صورة بابا
    الصراحة بابا الحمد بصحة منيحة،، بس أنا بعيدة عنه،،بعيدة كتير و مشتاقة اله و مش قادرة اوصله
    أبسط فكرة لخسرانه بتدمرني..أصلا أنا و قتها ما بقدر كمل دونه
    على كل شكرا كتير الك،، اللي كتبتيه كان رائع و دافي
    و عمل ذكرى لشي في هاي الدنيا انتي بتعرفي انه شو ما عملتي ما بيعود متل أول

     
  • At ٢٠/٥/٠٦ ٢:٤١ ص, Blogger Eve said…

    thx you amal :)

    تعليقك يعني لي الكثير أيتها المجهولة. آسفة إذا كنت قد أثرت لك مخاوفك، والله يحفظلك راجح. لا بدّ من أنه فخور جداً بك.

     
  • At ٢٢/٥/٠٨ ١٠:٥٤ ص, Blogger doha said…

    i always come back to this article,

    i search for it among ur other masterpieces

    eve, this is more than fabulous,

    be sure that he's there, always watching us in silence..certainly smiling

    we miss him

     
  • At ٣٠/٦/٠٨ ١٠:١٧ م, Anonymous غير معرف said…

    الله يعينك والله تكهرب جسمي وأنا بقرأ الكلمات أنا أسمي راجح وصدفة غريبة قرأت هاد الكلمات وشفت صفحتك الرائعة المليئة بالألام

    إزا بتسمحيلي احط إميلي وبتمنى تحاكيني عليه

    al7zen-1987@hotmail.com

    وشكرا

     
إرسال تعليق
<< Home
 
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER