ضهرت اليوم من الشّغل عالساعة خامسة تقريباً. إجمالاً، بِمشيلي شي عشر دقايق أو ربع ساعة حتّى حسّ بآخر كم دقيقة، قبل ما تعتّم الدّني. أو إذا بدكم حتّى حسّ إنّي مش عم بدفن حالي بالمكتب، أو عم بسرق آخر كم لحظة بعد فيها شويّة ضوّ، حتّى لو كانت شقفة شمس حاملة غراضها وفالّة. المهم، هول العشر دقايق ملكي أنا.
في شويّة برد، وهَوا قوي. بس ما معي جاكيت. أصلاً الشّمس اليوم الصّبح كانت مبَينة غير عن كلّ الإيام، وأنا للأسف منّي من النّوع يلي بيسمع نشرات الطّقس. النّاس بالطّرقات بعدهم بيقولولي حمد الله عالسلامة. بنسى أوقات شو قصدهم، وبرجع بتذكّر التّلزيقة عطرف جبيني. بِتضحّك لهم. ما بيكون في وقت قلّهم إنّها شغلة بسيطة، وإنّي ما توجّعت. أصلاً، ما بتصوّر إنّو اهتمامهم بيوصل لهالدّرجة. بتذكّر آخر مرّة قرّرت فيها أنا كمان إمشي بالشّوارع وإحكي مع الغرباء. كنت وقتها مبسوطة كتير، وعم طبّق واحد من هول الكليشيهات السّخيفة: خلّي كلّ العالم متلي مبسوطين. ما بعرف شو صار وقتها بالظّبط، بس بتذكّر إنّي كنت عم صَبّح كلّ النّاس اللي بيطلعوا قدّامي... صار لي زمان ما عملت هيك... والنّاس هالإيّام متل لوحة موناليزا، مش عم بقدر شوفهم مبسوطين.
مش دايماً بفكّر أنا وعم بمشي. أوقات بمشي حتّى ما فكّر. حتّى بطّل شوف الإنسان اللي ماشي قدّامي، والسيارة اللي عم بتزمّر، والطّريق اللي بتعيد حالها كلّ يوم. أوقات بفتّش عن العيون اللي بتهرب شوي لبعيد، قبل ما ترجع تدفن حالها تحت، عالرصيف... لأ، على مربّعات الحجر الصغيرة فوق الرّصيف. وأوقات كمان بمشي بس حتّى إسمع صوت كعبي على الأرض. ضربة ورا ضربة ورا ضربة. مش أكتر. لحتّى إتعب من المشي، لحتّى فتّش على هدف، لحتّى بطّل حسّ بالبرد... بِمشي.
نزّلني الباص على مفرق بيتي. عالمفرق، في دكّان صغير، بتحسّ إنّو عمره شي مية سنة. وقبله في هيك، متل لافتة مخزّقة مع سهم، مكتوب عليها: "بيانو عجوز". دايماً بيضحكوني هالكلمتين. كنت دايماً إتخيّل إنّو بهالجورة المعفنة، في شي بيانو عجوز، رموه صْحابه، فقعد لحاله، ينطر الما شي. متل إمّه لدامبو بهيدا المشهد اللي بيحبسوها فيه، وبيِجي ابنها الفيل ليزورها. عم شبّه بيانو بفيل! شوفوا لوين وصلنا! على العموم، بالآخر طلع إنّو هالدّكان لعيلة "العجوز" اللي ببيعوا وبيصلحوا بيانوهات عتيقة...
بلّشت تشتّي وقتها. نقط خفيفة بالأوّل وبعدين كبست بسرعة...صراحة، ما بعرف شو قصّة البنات وغرام المشي تحت المطر: إذا حمّام الميّ بيخلّي شعرهم ناعم وحرير، فأنا ما عندي هالنّعمة، وأصلاً منّي ناوية كون رومانسيّة الليلة. بس الهوا كان قوي كتير: هو يشدّ شمسيتي من هون، وأنا شدّها من هونيك. لحدّ ما بالآخر غلبني الهوا، وكسّرلي الشّمسية. وبقيت هيك... بلا شمس ولا شمسية. تحت المطر.
برجع عالبيت. بدّي إتخلّص من وجوه النّاس وصْواتهم. إتخلّص من الإشياء اللي بدهم ياها منّي، واللي أنا بدّي ياها منهم. ما بدّي إنطرهم ولا ينطروني. ولا شوفهم ولا يشوفوني. ولا حبّهم ولا يحبّوني. بدّي إرجع عالبيت، مطرح ما السّما ما بتشتّي. |
7amdella 3al salameh ya 7ilweh :)
i liked everything in the post.. may be coz it is real & personal.. i just like your writings & always enjoy them
thanks & God Bless