فرغت للتوّ من ترجمة الصّفحتين الواجب ترجمتهما كلّ مساء. يمكن القول إنّني قطعت أكثر من نصف الكتاب. يتطرّق الفصل الحاليّ إلى مساعي بوش لاقتحام محمية الأحياء الطّبيعيّة في ألاسكا، سعياً لحفر آبار النّفط فيها؛ مع أنّ الدّراسات كشفت عن أنّ هذا النّفط لن يكفيه ليلغي اتّكاله على نفطنا... (حلوة نفطنا هذه! النّفط اللّبنانيّ... مضحكة هذه العبارة! لا أظنّ أنّ أحداً عمد إلى جمع هاتين الكلمتين في عبارةٍ واحدة قبلاً) أقصد نفط الشّرق الأوسط يعني. أوكيه، هذا الحديث عن بوش ممل. في مطلق الأحوال، لمّا كان الوقت ما زال باكراً، ولا رغبة لي في الخروج، ولا القراءة، ولا مشاهدة التّلفزيون، ولا النّوم، قلت الأفضل أن أنفق هاتين السّاعتين في مدونتي. الواقع، لا أعرف ما الذي حلّ بإحدى ركبتيّ، ولكن منذ ليلة الأمس وهي ترسل لي إنذاراتها كلّما أقدمتُ على الحركة. تفقّدت بريدي الالكترونيّ، فاكتشفت رسالةً وصلتني من "ساشا"، قبل خمس دقائق. صحيحٌ أنّ صاحبنا الرّوسيّ يكتب الانكليزيّة بطريقة رديئة فعلاً، لكن يجب عدم نسيان عامل مهمّ جدّاً: عينيه الجميلتين! فليكلّمني بأيّة لغة يريدها! الأرشيف في مدوّنتي يشير إلى أنّ أيلول قد عاد من جديد. ياه، سنةٌ مرّت على بدايتي التّدوين! كم من أحداثٍ بين أيلول الماضي وأيلول هذا تختزنها هذه الصّفحات. ما زلت أذكر كيف كانت البداية. مسالمة وهادئة وبلا "وجع راس". يعني: كان في مقدوري أن أفرغ كلّ ما جعبتي، دون أن يهمّني أيّ شيء؛ دون أن أكترث لضرورة مراعاة هذا أو ذاك، وأخذ معارفي الذين صاروا يقرأونني بعين الاعتبار. كنت ذرّة رملٍ بين آلافٍ، لكن سعيدة بكوني الذّرة. صراحة، أنا مجنونة لأنّني لم أمحُ بعضاً من هذه التّدوينات حتّى الآن، لكنّني أعلّل الأمر على أنّه كسلٌ ليس إلا. كسل تحوّل إلى عدم اكتراث. اليوم، تزداد صفة الغموض في كتاباتي. لا أسهّل على أحد أن يفهم ماذا أقصد، لكنّني أحرص دائماً على ترك خيوطٍ أو آثار هنا وهناك لمن يتّتبعني بعينٍ ناقدة. بأيّة حال، أعتقد أنّه يجب أن أعلن أنّني بدأت بمدوّنة باللغة الانكليزيّة منذ مدّة. بعضكم سبقني واكتشف أمرها. أخصّصها للأخبار الخفيفة والخواطر السّريعة التي يمكن أن تخطر في بالي، ولا أظنّ أنّني سأحدّثها بانتظام كما أفعل هنا. يعني انفعالاتي، وموجات جنوني، وثورات غضبي، وتقلّبات فرحي وأحزاني: كلّها ستكون هنا. أمّا هناك... لم أحدّد تماماً المسار الذي سأتّبعه هناك.
لأوّل مرّة من سنين، جلست اليوم على الشّرفة صباحاً. لأوّل مرّة من عدّة سنواتٍ، أملك الوقت لأجلس على الشّرفة صباحاً. أجلس لمجرّد الجلوس. ما زلت أقرأ الكتاب عينه. أقرأه بتأنّ. أعيد قراءة المقطع الواحد عشرات المرّات، وفي كلّ مرّة أكتشف فيه شيئاً جديداً. لعلّي أخاف إن فرغت منه ألا أجد أحداً يخاطبني كما يفعل هو؛ أو أضطر لانتظار إصدار المؤلّف التّالي. في تلك اللّحظة، خطفتني من استغراقي حركةٌ سريعة، بل فائقة السّرعة: عصفور ضئيل الحجم علق بين جدران الشّرفة وراح يبحث عن مخرج. كان يدور بسرعةٍ جنونيّة، ويحاول الطّيران، لكن في كلّ مرّة يزجّ نفسه في الزّجاج بين القضبان الحديديّة، فتتناثر أشلاء من ريشه على الأرض. تأمّلت المشهد بمزيجٍ من الصّدمة والشّرود. كان يصطدم بالزّجاج القاسي، ثمّ يعود فيصطدم به من جديد وجديد وجديد، بكلّ ما ملك من إصرارٍ وتمعّن وتصميم. يريد الهواء الذي خلف الزّجاج، لكن لا يفهم لمَ لا يستطيع أن يحصل عليه... وعند كلّ اصطدامٍ، يخال لي أنّني أنا التي أُقحم بالزّجاج، لا بل أكاد أشعر بحرارة الدّماء السّائلة فوق جبيني؛ وأكاد أتذوّق طعمها في فمي. أتذكّر جملةً قرأتها قبل قليل: "يستغيث الغريق أمامنا ونحن، من وراء الزّجاج، نلوّح ونبتسم". حين سكن أخيراً، هربت منه؛ سارعت نحو الدّاخل. تركته مدبرةً، وغادرت المنزل. الهروب دائماً أسهل الحلول. عند المساء، كان قد اختفى. |
هممممممممم ،
عندما قرأت جملتك هذه " اليوم، تزداد صفة الغموض في كتاباتي...."،
قلت لنغسي ان لإيف سر خطير، وكأنها عرفت انني كنت اتحدث مع احد المدونيين عن الغموض الموجود في البوست السابق "كيف تطفئون الظّلام وتسكتون الصّمت؟"
:)
مبروك العام الاول لمدونة، بـأنتظار الحفلة!!
:)