قادمة أنا إلى هذا المكان لأنّني عاجزةٌ عن مشاهدة المزيد من نشرات الأخبار، وأعني بذلك ما يزيد عن خمس وعشرين ساعة في اليوم. بعبارة أخرى، أحترف فعل الهروب. لا بل أصرّفه في صيغه جميعها: هربت، وأهرب، وسأهرب، إلخ...
هذا المساء، اكتشفت المدينة خارج أسوار شاشات التّلفزيون: المكان هو نفسه، لكن تفوح منه رائحة غريبة، والهواء مثقل بصورٍ غير مفهومة. كنت قد اتّفقت مع ريما على أن أعرّج عليها كي أعود بها إلى منزلي، لا سيّما وأنّ سيّارات الأجرة معدومة في هذا اليوم. الشّعور غريب. الشّارع الرّئيس مطفأةٌ أنواره تماماً؛ تجول فيه، متأنيّاً، خائفاً، كأنّك في مدينةٍ للأشباح قد انفضّ سكّانها من حولها، مخلّفين كلّ حاجيّاتهم على حالها. الوجوه واجمة، والأصوات مغيّبة. لا أبواق سيّارات، لا ضجيج مارّة، لا عرقلة ناتجة عن مشاجرةٍ معهودة أو شتائم متبادلة بين سائقين. النّاس، على ندرتهم، يتقيّدون بأضواء السّير الثّلاثة؛ والسيّارة العابرة التي فاجأتني بسلوكها اتّجاهاً معاكساً لسيري سرعان ما عادت أدراجها بكلّ خفوت. تشعر كأنّك محاط بأمواتٍ أحياء؛ وهذا السّكون نفسه يصمّك بصخبه!
المزيد من التّكهنات حول ما حدث. حول الفاعل وتبعات فعلته على البلد. النّظرات سوداويّة أينما كان، وما تتناقله الألسنة وما يتناهى إلى مسامعي لا يبشّر بأيّ خير. والأسوأ أنّني كلّما أفضت في الإصغاء، ينتاب رأسي صداعٌ غريب لم أختبر مثله قبلاً قط. لا أستطيع إلا التّساؤل عن حال جيلٍ بأكمله، عايش هذه الأفكار، من قبلي، طيلة خمسة عشر عاماً ونيّف، أنا التي لم أفهم ثقل وطأتها إلا الآن... أنا التي أعيش في بلدٍ حيث إدمان التّفكير وشدّة القلق واحتساء كؤوس الخطر أمراضٌ تضرّ بالصّحة. |
سلان
اتمنى أن تكوني اليوم بخير
لقد اضطررت للاستماع للنشرات الاخبارية لمعرفة آخر الاخبار اعتقد أن هناك شبه اجماع في الشارع اللبناني من أجل تجنب وقوع اي انجراف نحو الأسوأ فتجربة السبعينيات بكل مرارتها اتمنى ان تجبر الكل علي اللجوء الي الاتزان
افهم جيدا احساساك النفسي وحالة الوجوم المنتشرة في الشوارع فهي بكل بساطة تعبير عن الخوف من تدهور الحلم الذي بناه اللبنانيون طوال السنين الماضية
سلامتك وسلامة بلاد الأرز