لا، لم يكن كابوساً.
أفكاري الأولى لم تمهلني وقتاً طويلاً حين أفقت من النّوم هذا الصّباح. لم تمنحني وقتاً للتّثاؤب. للبحث عن الشّمس تشرق في السّماء. أفكاري الأولى ردّتني إلى الواقع بلمح البصر. أمرتني بنبرةٍ متهكّمة: "قومي.. انهضي.. تذكّري... لا نوم لكم في هذه الرّقعة من العالم."
لا أدري كيف تسارعت الأحداث على هذا النّحو. نعم، تناهى إلى مسامعي الدويّ قرابة الواحدة ظهر أمس. لكن حين يكون المرء قد ترعرع على وقع الحروب منذ نعومة أظافره، يغدو أيّ دويّ صوتاً عاديّاً، متجزّئاً من الحياة اليوميّة. لذا لم أعر الأمر اهتمامي. ولم يمض وقتٌ طويل حتّى بدأت الأحداث تتسارع وتنهال على المكتب الواحد تلو الآخر.
- شو؟ انفجار؟ راح قتيل؟ - هيدا يلي ناقصنا. ممنوع نتنفّس. حرام نعيش!
هذه كانت ردّات الفعل الأوليّة، ونحن بعد لا ندري ما الذي حدث فعلاً. بعدئذٍ، سقطت أجهزة الهاتف العاديّة والخليويّة ضحيّة الحادث أيضاً، تبعتها شبكة الإنترنت، حتّى بتنا كالمنعزلين عن العالم الخارجيّ. عندما بدأنا نعي خطورة الأمر فعلاً، خلنا أنّ الخبر مجرّد شائعات تنسجها أخيلة المارّة، وتزداد حجماً من لسانٍ إلى آخر. فانتظرنا تكذيباً للخبر بين لحظةٍ وأخرى. انتظرتُ من يقول إنّ الحادث عرضيّ، ناتجٌ عن اصطدام سيّاراتٍ، أو عطلٍ خطير في الفندق المجاور، أو أيّ حادثٍ من نوع آخر... كأنّ إعطاء الموت شرعيّة ومنطقيّة ينتشله من خانة البشاعة وهول الخيانة غير المفهومة!!
بغضّ النّظر إن كنت من مؤيّدي سياسة الحريري أم لا، فأنا لا أفهم. لا أفهم كيف يمكن لأيّ كان أن يزرع الموت في بيتنا الكبير، أو يتلاعب بمصائرنا المتداخلة، كلّما حلا له ذلك. كلّ الذي أعرفه أنّ ما حدث سيؤدّي إمّا إلى ثورةٍ عارمة وانقلابٍ متفجّر، وإمّا إلى مزيدٍ من التّكتّم والحقد المكبوت. وأحسب أنّنا نلنا كفايتنا من التّكتّم والحقد المكبوت. "الجحيم عاد، لبنان في مهبّ الرّيح، شهيداً من أجل لبنان، قتلوا رفيق الحريري..." كلّها عناوين تصدّرتها صحف اليوم. نستمرّ أو لا نستمرّ، هنا يكمن السّؤال. في الواقع، تسود حالة سأم من الوضع المتكرّر: حلم، وسفر على جناح الحلم، مقابلَ ترصّد فقنص فشلل. والنّتيجة: اغتيال الأحلام ثمّ النّهوض من جديد.
ماذا عن هذه المرّة؟ نهوض جديد أيضاً؟ يا ليت.
|
I'm so sorry to hear this news.
Our hearts are with you all.
Please accept our deepest condolences for your loss.