ماذا تفعلين هنا، عند عتبة بابي؟ تقولين إنّك تعبتِ ولكن تعودين دائماً. لا تقوَين على الصّمت. تحتاجين دوماً إلى شخصٍ ما، أو شيءٍ ما، أو طيفٍ تكلّمينه كي تفلتي من قبضة الصّمت... لا يهمّ أكان أنا، أم هذي الممسحة التي تطئينها بكعب حذائك الآن. وقد سمعتك مرّةً تكلّمين نفسك. لا، لا تنكري. سمعتك بأذنيّ. في بادىء الأمر، خلتُ أنّك برفقة أحدهم، وتآكلتني الغيرة. ولكن حين أصغيتُ مليّاً، أيقنتُ أنّ صوتك لم يكن مرّةً عارياً من كلّ أصباغه، مجرّداً، شجيّاً، كما سمعته لحظةَ غافلتكِ؛ وأنّه لم يتلبّس درعه الأصلب من جديد، بكلّ ما أوتي من حدّة، كما فعل عندما تنبّهتِ إلى نظراتي المسترقة عبر الباب. حتّى صوتك لا تأتمنين به عليّ. تقولين إنّك بتّ لا تعرفين إلى من تكتبين، ومع أيّ طيرٍ ستحلّقين عشيّةً، وأنّ الغيوم تهبط إلى الأرض أحياناً فتحجب عنك ضوء المنارة. تقولين إنّك تهتِ، وصرت تتبعين ضوءاً آخر، وإنّ قاربك جنح في مكانٍ غريب. تقولين أشياءَ كثيرة. تتفوّهين بما يجب أن يبقى طيّ الكتمان. تثرثرين. ومرّات كثيرة، يزلّ لسانك، فتنطقين بتفاهاتٍ لتخفي عنّي مسحة ارتباك حزينة. وكم خلّفتني في الماضي لشهيق صدماتي، وأنا أراك تهزّين كتفيك لامبالاةً، أو تضحكين ضحكةً صغيرةً هازئةً، ثمّ تبتعدين... لكن دائماً تعودين. تخبرينني أنّ الأمر ليس على ما يبدو عليه، وتَشكين أنّ الكلمات تتناثر فوق حنايا جسدك رغماً عنك، عندما تغمضين العينين وتصمتين. وهذي النّغمات التي تحبسينها، تتلاعب بأطراف ثوبك؛ تبعثر خصلات شعرك، ثمّ تظلّ تغيظك ريثما تصدحين. وأنت دائماً تصدحين... ذات مرّة، كلّمتك وأنت عنّي شاردة. لكن حتّى في شرودك صراخٌ وأنين! في شرودك، تحمّلين نظراتك بالسّؤال، فتموء أطياف كلماتٍ فوق وجنتيك. في شرودك، يكتب جسدك قصيدةً، ثمّ يشنّ حرباً داميةً على قارئه المسكين. وفي فضاء شرودك الأخرس، يصمّني فحيح أفعى تتراقص بين عينيك، فإلى هسيسك أنقاد بلا مقاومة ولا تمنّعٍ دفين.
فأيّ لعبةٍ على عتبتي اليوم تلعبين؟ من أيّ صمتٍ مزعومٍ تقبلين، وإلى أيّ ضجيجٍ صاخب ستحملينني وتمضين؟ أخشى من هاويتك، أن أديم النّظر إلى قاعها، فتبادلني النّظرات وتبتلعني كغولٍ كاسر. أخشى أن أدعوك إلى الدّخول، فتنسَين رشف القهوة و... تتكلّمين. أخشى أن أعود فأسمع غناءك وأنت تكوين الملابس، وأنت تسرّحين شعرك، وأنت تستحمّين... لكنّني أخشى أيضاً أن أغلق عليك الباب، فلا أجدك عند العتبة، هناك، في الأسفل، تنتظرين، ساعةَ أقرّر أن أجري وأمنعك من الرّحيل؛ ولا ألقي برأسي فوق صدرك وأنتحب، فيما أنت تمسّدين شعري وتدمدمين. |
يا له من حسّ مرهف يا إيف
أيتها الرقيقة والحساسة
أنتِ شاعرة وكاتبة وتجيدين جذب القراء من كل حدب وصوب، تجعلينهم ينتظرون كلماتك الصادقة في كل صباح لتبعث فيهم الحيوية للبدء بنهارٍ جديد، ويعودون ويقرأونها مساءً للتمتع بها مرة أخرى!
أما بالنسبة لما كتبتِ اليوم، فلا يسعني سوى أن أقول أنك جعلتني أبحر في شاعرية لا تخلو من الموسيقى الناعمة، ممزوجة بألم متداخل بين الكلمات والحروف.
أخيراً، أتمنى لك رحلة موفقة مع رسالتك ولا شك أنك ستتخطين هذا المشوار الشاق، فنجاحك مددٌ لنجاحنا