حين أخبرت مديري في العمل، منذ أسبوعين تقريباً، أنّ فرصة الاقتراع لم تُسنح لي، سادت حالةٌ من الهرج والمرج في المكتب: "ماذا؟ كيف؟ معقول؟" لكن لعلّ ردّة الفعل المضاعفة هذه ليست بغريبة، نظراً لصدورها عن شخصٍ ذي باعٍ طويل في شؤون الدّيمقراطيّة وكيفيّة تعزيزها عبر العالم. ولحسن حظّي، تصبّ مشكلتي في مضمار عملي بالذّات، ممّا سهّل عليّ اتّخاذ الخطوات اللازمة بشأن الامتناع عن تسليمي البطاقة الانتخابيّة.
اتّصلت أوّلاً بإحدى منظّمات مراقبة الانتخابات، حيث أفاض المسؤول في شرحٍ طويل، استنتجت منه في نهاية الأمر أنّه سيسجّل قضيّتي، لكنّه لن يرفع شكوى رسميّة بشأنها إلا إن عُرضت عليه حالاتٌ مشابهة أخرى، أو تعرّض أحد المعنيّين لمشكلةٍ مماثلة (ويقصد بذلك أحد المرشّحين، في إشارةٍ إلى أنّ حالتي ليست بالمتأزّمة إلى هذا الحدّ). وطبعاً وعدني المسؤول بمهاتفتي في القريب العاجل. عند ذاك، عدت فاتّصلت بوزارة الدّاخليّة، وأخبرت المتكلّم أنّ مختار البلدة يلقي عليهم باللائمة، ويتّهمهم أنّهم حجزوا حوالى أربعة آلاف بطاقة انتخابيّة. ففتح معي حديثاً طويلاً، أكّد لي خلاله أنّ "الإستيذ" نفسه (رئيس مجلسنا الكريم) قد تعرّض لمثل هذه الحالة من الغبن. "أعرف أنّك لا تصدّقيني حين أقول لك ذلك". وفيما أنا أقول في سرّي: "طبعاً لا أصدّقك!"، تابع بسخرية: "أكيد أنت حزينة لأنّ مرشّحك خسر، لكن لا تحسبي أنّك لم تتسلّمي البطاقة لهذا السّبب"... تجدر الإشارة هنا إلى أنّني لم أذكر له من هو مرشّحي؛ لكن كما قلت سابقاً، يستطيع السّامع أن يحكم مِن اسمي ما هو انتمائي وإلى من سأصوّت، من دون أن يكون ذلك صحيحاً بالضّرورة. إثر ذلك طلب منّي الانتظار لأنّه تلقّى اتّصالاً مهمّاً؛ فلمّا فعلت، تناهى إليّ صوته وهو يطلب "منقوشة جبنة، ولا تنس الخضرة، وقلّو يكتّر السّمسم يا خيّي جهاد". بعد أن انتهى اجتماع القمّة الطّارىء الذي عقده، عاد إليّ، وراح يؤكّد لي طبعاً أنّه سيبحث في الأمر، نافياً التّهمة عن الوزارة. لكن حين أخذت أسئلته تنحو نحواً أكثر شخصيّة، كسؤال: "هل يمكننا أن نتعارف؟" مثلاً، عرفت أن لا جدوى من الأمر!
طوال ذلك الوقت، كنت لا أنفكّ أحاول الاتّصال بالمختار المسؤول عن إصدار البطاقات في المقام الأوّل. لكنّ خطّه كان دائماً إمّا خارج الخدمة، وإمّا يرنّ دون مجيب. اليوم فقط، ابتسم لي الحظّ وأجابني أخيراً. بادرته أوّلاً بالسّؤال عن البطاقات. بدا عليه الارتباك وسألني عن اسمي. فلمّا أجبته، صمت قليلاً، ثمّ أنهى المكالمة فجأةً. أمّا أنا، فما كان منّي إلا أن طلبت الرّقم ثانيةً، وأنا أندهش من مقدار الوقاحة المتزايدة هذه الأيّام. لكنّ محاولاتي كلّّها باءت بالفشل، والإجابة واحدةٌ لا تتغيّر: "إنّ الرّقم المطلوب غير متوفّر حاليّاً..."
بعد يومين، المرحلةُ الأخيرة من الانتخابات. جميع من حولي إمّا صوّتوا وإمّا سيصوّتون، وإمّا على الأقل يملكون البطاقة لكن يقاطعون التّصويت، وإمّا أيضاً قدّموا طلبهم وحصلوا على البطاقة في اليوم التّالي. أعترف أنّ كلّ هذه الاحتمالات تجعلني أشعر، نوعاً ما، بالغيرة... مع أنّ الحال لا تدعو إلى ذلك. فبعض الأصدقاء، من المنخرطين في مراقبة الانتخابات كلّ أسبوعٍ، يحكون لي عن عمليّات شراءٍ للأصوات، تقدم عليها الأغلبيّة السّاحقة من المرشّحين، وبطريقةٍ مكشوفة وعلنيّة أيضاً. يعني أن يتقدّم المرشّح من رئيس القلم الاقتراعي، ويقول على مسمعٍ من المراقب: "وين الخمسة آلاف راس اللي دفعت حقّهم؟" أمّا ثمن الصّوت الواحد، فيتراوح حسب سعر السّوق بين المائة ألف ليرة والمائة دولار، كمعدّل.
إنتظروا الحلقة القادمة من مسلسل "محاولة حصولي على البطاقة الانتخابيّة". فالموسم ما زال في أوّله، ومن المحتمل أن تستمرّ الحلقات حتّى أربع سنواتٍ من الآن (أي موعد الانتخابات المقبلة). |
يعجبني اصرارك يا ايف
اظن ان ما يميزك هي تلك الروح المليئة بالاصرار و المثابرة، تلك الروح التي افتقدها شخصياً، فأنا--كمثال--لن احاول ابعد من المحاولة الأولي، هذا إن فعلتها اساسا
تابعي المحاولة، و لكن لا تيأسي إن لم تحسي بجدوي، ارجوك لا تشعري بالعبث، لأن المهم--في رأيي--هو فعل المحاولة، و ليس إدراك النتائج