أجمع كلّ ما يعجبني من قراءاتٍ هنا. أشعر أنّها تصبح ملكاً لي، أو جزءاً منّي، فأخشى أن أضيّعها، أو أنساها بمرور الزّمن... صعبٌ أن أشرح ماذا انتابني حين قرأت كلمات فراس الأمين هذه. لطالما كرهت مشاعر النّدم واليأس وخيبة الأمل التي لا تجدي بعد فوات الأوان. لطالما خفت ممّا تسبّبه من ألم، ولطالما قاومتها أيضاً. لكن كان يكفي أن أقرأ هذه الرّسالة، حتّى ينهار كلّ ما بنيته في لحظة، ويصيبني هذا الشّعور "في الصّميم"، كما يقال. (المقال نُشر البارحة في "النّهار"، واستعدّوا لأنّه لا يقتصر على فقرة أو اثنتين).
لا حدود لشعوري بالذّنب يا سمير. لا حدود لخجلي منك ومن نفسي ومن كلّ الأيّام التي أمضيتها أنت تكتب وأنا أوغل عكس تيّارك. أتذكر الاتّصال الأخير؟ كان ذلك قبل سبع سنواتٍ، يومها أُوقف برنامجك في "تلفزيون لبنان"، وكنت أنا قد بدأت للتوّ عملي في القصر الجمهوريّ بعد ستّ سنواتٍ أمضيناها معاً في "النّهار". قلت لي: "لقد اتّصلت بي إدارة التّلفزيون وأبلغوني بمنعي من العمل بحجّة عدم توافر الميزانيّة، أنا لا أصدّقهم وأعلم أنّ هناك أسباباً أخرى، أريد منك أن تسأل من تعمل معهم عن السّبب." أنا سألت يا سمير ولم أجبك. سألت فأجابوني بورقة، بتقرير، فيه أنّك كتبت في جريدة "اللّيبراسيون" الفرنسيّة ضدّ سوريا. أنّك كتبت للصّحافة الفرنسيّة إنّ السّوريّين يريدون الخربطة على جهود السّلام الفلسطينيّة- الإسرائيليّة. لم أعرف ماذا أفعل. كانت أوّل تجربة لي مع ليبراليّتي، في التّعامل مع قرارٍ رقابيّ من هذا النّوع. ارتبكت، سألت مرّةً ثانية محاولاً رأب الصّدع، فكان الجواب أنّ الموضوع محسوم بسبب "المصلحة الوطنيّة". صمتّ يا سمير وانقطعت عنك. نعم، كنت شيطاناً أخرس عن حقّك، شعرت بأنّني خنت سؤالك لي وأنت الذي مدّني بالصّداقة والرّعاية. لا أزال أذكر كيف استشهدتَ بمقالين لي، مرّتين، في افتتاحيّاتك في "لوريان إكسبرس" فجعلتني فخوراً بنفسي، ربّما أكثر من اللّزوم. أذكر كيف اصطحبتني وقلمي الفتيّ لأُجري مقابلةً مع إريك رولو، كيف عرّفتني إلى المفكّر الباكستاني إقبال أحمد، كيف حفّزتني لأجري أيضاً حديثاً معه، كيف أخذتني إلى اجتماعاتٍ تأسيسيّة لحركة يساريّة في نادي متخرّجي الجامعة الأميركيّة في بيروت، كيف شرحت لي معنى أن يكون المرء يساريّاً، وكيف... كنت تحمل لي رسائل الغرام من صديقة في باريس وتدخل إلى مكتبنا في "النّهار" في الحمراء بعد المساء بقليل، ترمي لي الرّسالة بعد عودتك من سفرك، ومعها ترمي ملاحظة قاسية على مقال. كيف أنسى حين أنّبتني قائلاً "لا تصف الفلاحين بأنّهم شرفاء، الفلاح شريف بمجرّد أنّه فلاح... ولا تبق بعيداً عن فتاةٍ مغرمة بك في باريس، إجمع بعض النّقود واذهب إليها". أيّها العاشق الكبير، أيّها الثّائر الكبير، كم علّمتني أن لا ثورة بلا عشق، كم زرعت بذور الثّورة في قلوب أجيال حريّة، وكم خذلتك أنا. والأقسى من كلّ ذلك أنّني كنت أظنّ أنّني على حقّ، أنّني كنت أظنّ أنّ انتقاد سوريا خطيئة، ومدح أبي عمّار جريمة، وأنّه يحقّ لهم أن يمنعوا لك برنامجاً لأنّك من رأيٍ مخالف، كنت أظنّ أنّك على خطأ، وها أنا أتلو فعل النّدامة، متأخّراً، خجولاً من كلّ قطرة حبر سالت منك. هل أكمل شهادتي على لائحة القمع الطّويلة التي تعرّضت لها؟ هل أكمل شهادتي على ما تعرّض له أيضاً مارسيل غانم وزافين قيومجيان مثلاً؟ هل أخبرك كيف اتّصلت أنا بمارسيل غانم لألومه بشدّة على استضافته إيّاك في برنامجه عشيّة عيد الميلاد، لأنّك "هاجمت الخطّ الوطني وقلت تحديداً إنّ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان سيعيد إلى الواجهة بنداً منسيّاً في اتّفاق الطّائف هو انسحاب الجيش السّوري من لبنان؟"... أعذرني لن أكمل لأنّني لست بجرأتك. نعم، أنا كنت لفترة أقف على برج عقابك ولا يرضي ضميري انسحابي المبكر وتيقّني من سوء دوري آنذاك. قهرتني حتّى العظم يوم سلامك البارد ليلة التقينا صدفةً في مقهى في الحمراء، قبل أربع سنوات، وقتلتني من القهر يوم سلامك العاصف في ساحة الحريّة قبل شهرين. كنت أحاول أن أتفادى قهري بمزيدٍ من الغضب عليك، كنت لا أرحمك عند نقاشٍ حول مقالٍ لك، وأذكر كيف كتبت لك ردّاً ساخطاً على مقال، يومها أرسلت لي مع صديقٍ مشترك رسالة مفادها إنّك سعيد بقراءتي لمقالاتك بتمعّن. لم أُفتن بلؤم كما فتنني لؤمك يا سمير! ما هذه الكبرياء القاتلة، ما هذه الجرأة المخيفة أيّها الوسيم الفخور بوسامته؟ لم أجرؤ أن أكتب لك اعترافي بإدماني أحرفك في حياتك، لم أجرؤ لقدر ما خشيت غضبك عليّ وغضب الآخرين أيضاً، لم أجرؤ لقدر ما أذهلتني بإغوائك للحريّة، لقدر ما غرت من رقصها لك، لقدر ما أعجبت بك حتّى الخجل العظيم. لن أنسى نصيحتك، "أكتب دائماً بقوّة ودع الكلمة الأقوى للنهاية". أكتب لك عرفاناً لفضلك عليّ، لفضلك على لبنان، أكتب لك وفاءً لفضل "النّهار" عليّ، لفضلها على لبنان، أكتب لك لأكفّر قليلاً عن ذنبي تجاهك... أتعلم؟ لم أفاجأ حين قتلوك. توقّعت ذلك لأنّك جعلتهم عراة إلا من جرائمهم، لأنّه لم يعد من مكانٍ لحروفك في أجسادهم الظّالمة ففتحوا خزائن حقدهم على مصراعيها، قتلوك لأنّهم كانوا أعجز من أن يفعلوا أيّ شيءٍ آخر. أعتذر منك متأخّراً جدّاً، خجولاً جدّاً، وأعلم تمام المعرفة أنّك لن تقبل اعتذاري، لأنّك ببساطة، سمير قصير.
فراس الأمين |
العلاقات دي دايما بتفتني
الصداقة اللي بتتقلب عداوة.. او بمعني مخفف، الزمالة اللي بتتقلب خصومة
بس خصم سمير واضح انه علي قد الخصومة.. اسلوب جميل، و خبث كبير، يمكن ضميره أنبه عليه، فلمح بخبث سمير نفسه
شكرا ايفو
:)