مقتطفات جمعتها من بعض الصّحف الصّادرة اليوم. والسؤال: سمير قصير، نحبّك، ولكن قل ماذا نفعل حين يضنينا البعد؟
سمير الأستاذ كان يحمل حقيبةً سوداء وهاتفاً خليوياً وعلبة دخان "جولواز صفراء" من دون ولاعة. وكان يرتدي باستمرار بنطالاً وقميصاً يفتح زرّيه الأولين ويضع عقداً وجاكيت. وكنا نطلب منه أن يقصّ شعره فهو لا يهتم بمظهره الخارجي. فشكليّاً نجده أقرب إلى الطالب. كان يتحدّث عن لبنان وسوريا وإسرائيل بحسب أسئلة الطلاب. وأحياناً يهرب من الصّف كي لا يجيب عن أسئلتنا. وأحياناً يجيب بطريقةٍ غامضة. مثلاً إقرأوا هذا الكتاب. وعندما يتحدّث عن بعض السياسيّين في لبنان يعطيهم الصفات بشكلٍ نعرف عمّن يتكلّم. كما كان يحفظ أسماء الطلاب ويلاحظ غياب البعض، ولكنّ معظمهم كانوا يتواجدون في صفّه. وكان يصرّ على الطلاب قراءة الكتب والذّهاب إلى معارض الكتب. وعندما يعطي بحوثاً للطلاب، يختار مواضيع آنية، لحثّهم على البحث والمعرفة. وكان يردّد ليس كلّ من كتب كتاباً أصبح كاتباً. ويقول ليست العلامة التي تصنع الطالب. وسيقوم الطلاب بامتحان في مادة سمير قصير في التاسعة صباح السّبت المقبل، وهم يطالبون الإدارة بجعل الإمتحان فرصةً لهم للتّعبير عن تقديرهم لأستاذهم الذي فقدوه قبل إنهاء مادّته المقرّرة لهذا العام وقبل توديعه.
سمير العاشق انها دموع الحبيبة على الحبيب. جيزيل خوري، "حبيبة قلــب سمير"، وصلت امس مفجوعة بالالم والحزن. "ليش ما حبسوه؟ راحوا قتلوه. كنت حاسّة"، تمتمت باكية لدى لقائها اصدقاء استقبلوها بدموع غزيرة في مطار بيروت. الجميع بكوا صامتين. وكان من الصعب مؤاساة الحبيبة. وكم بكت!...
<<والله زهقت من الموت>> هكذا اشتكت الزميلة جيزيل خوري لزوجها المغدور سمير قصير قسوة فراقه، وهي تتفرس، متهادية بين الوجع والشوق، في وجهه في براد مستشفى الروم. فكأن جو الحداد الذي تعيشه منذ حوالى سنتين، اثر وفاة اخيها الوحيد الياس نتيجة داء في الرئة ما كاد لينقطع حتى انوصل من جديد.. ما ان رفع الغطاء عن وجه الزميل الشهيد، حتى انكبت عليه تقبله وتتمتم: <<يا حياتي.. يا حياتي>>. فضّل عدد من أقاربها وأصحابها ممن واكبوها الى المستشفى عدم مشاهدتها للقسم الأسفل من جسده لإصابته بتشوهات نتيجة الانفجار الذي وقع ضحيته أمس الاول، ومع ذلك كان النظر الى وجهه ربما أكثر وجعاً بالنسبة اليها، فملامحه تختصر قصة الحب كلها التي جمعت بينهما سنوات عدة، والدقائق القليلة لم تكن لتروي العينين اللتين تفيضان دموعاً وعشقاً...
سمير الزّميل ... يتم التأكد من صحة الخبر. وتتأكد أنت وكل مستمع أن هذا الصباح مفجع أكثر من الخبر، وأقسى من مشهد الأحذية المتناثرة في مكان الحادث. أقسى من أي شيء آخر يا سمير قصير ونحن نسمع صوتك عندما تسترجعه <<صوت لبنان>> في برنامج <<مش كلنا ولاد بيروت>>، أقسى بكثير وأنت تضحك قائلاً: <<اليوم الطقس حلو، الشيء الوحيد الحلو بلبنان... الطقس الآخر كتير متعب>>. والصباح، ليس كما كان ذات صباح، لتقول لنا <<صباح الخير>>. ولا تظن أنك تجعل هذا الموت خفيف الظل وأنت تعزينا بفكاهة <<من هذه الغيوم يجب أن يطلع الأمل، وإلا سنموت كلنا>>. هذا الموت أكثر التصاقاً بحقيقة أخرى قلتها، وكأنها بوضوح الطلقة: <<إنها مراهنة بين الحكام والشعب، من ييأس قبل الآخر>>... |
شكرا لك ايف.
رحم الله الإنسان الشريف والمناضل الشجاع سمير قصير وعظم اجر عائلته وأصدقائه ومحبيه.
للحرية ثمن غال دائما وقد دفع الراحل الكبير أغلى ما يملك ثمنا لكرامة واستقلال لبنان.
كان الله في عون الجميع.
تحياتي.