حين يبدأ موسم الصّيف في لبنان، وتُدسّ الملابس الشّتويّة في درجٍ بعيد، تبدأ الجردة النسويّة السّنويّة (عجبتني هيدي!) في البيت. ونتيجةً لهذه الجردة، حدث ما كنت أخشاه، ووقع المحظور: عليّ أن أقوم بتلك الرّحلة الرّهيبة! عليّ أن أكبت صرخاتي، وألجم شكاواي، وأستعدّ لخوض كابوسي الأفظع، وسبر أغوار الأماكن شتّى، بحثاً عن... حذاء. (إيه، إنّو شو كنتو موقّعين يعني؟)
شراء الحذاء المناسب.. العثور على القالب عينه الذي نُحت من أجلك أنت: أليست مهمّة شاقّة ومستحيلة؟ وكيف إذا كان عليك تأمّل الواجهات حانقاً، بكلّ ما تعرضه عليك من أحذية السّندريلا، ولسان حالك يقول دائماً: "ما عندك نمرة أكبر؟"
ما علينا، مرّ الأمر بسلام. لكنّ العواقب أختبرها الآن: ألمٌ مبرح في قدميّ بفعل الحذاء الجديد، وصعوبةٌ في السّير، وشتائم سريّة ما زلت أكتمها في حقّ تجّار الأحذية جميعهم. (بتأسّف إذا فيه شي بيّاع سكربينات عم يقرأ).
أظنّ أنّه يمكن الاستنتاج أنّ تاريخي مع الأحذية ليس مشرقاً إلى هذا الحدّ. إذا لم تقتنعوا إليكم الحادثة التّالية: المكان: مبنى من المباني القديمة التي تشتهر بها باريس. الزّمان: قبل حوالى سنة ونصف.
كنت باستضافة عائلة فرنسيّة لطيفة، تسكن في الطّابق الرّابع من بناية لا مصعد لها، بل سلالم حجريّة متراصّة يعتبر نزولها كلّ مرّةٍ أشبه بمجازفةٍ يوميّة. وقد أخبرتني ربّة البيت أنّها، أثناء حملها، كانت تخصّص نصف ساعة للخروج بمساعدة زوجها، بدءاً من باب البيت وحتّى المدخل السّفليّ. المهمّ... طبعاً في أحد الأيّام، "صار اللي صار ومحسوبتكم زحطت!" كانت زلّة من أعلى السّلم وحتّى أسفله، طويلة بحيث أستطيع أن أشعر بكلّ درجة وهي تدكّ ظهري، وفي الوقت عينه سريعة بحيث أمدّ يدي لأمسك بأحد عواميد الدرابزين لكن من غير جدوى... وطويلة بحيث كشفت أمامي عن مشاهد متوالية من شريط حياتي، وسريعة بحيث لم تسمح لي حتّى بأن أستوقفها للتّفاوض: "طب إنّو لحظة، ما بصير هيك، خلينا نحكي كلمة، روقيها عليّ شوي!"
وفي نهاية المطاف، حين توقّف كلّ شيء، وسكنت الحركات جميعها، بقيت لدقائق أحدّق في السّقف بجمود، وأنا أمنح نفسي وقتاً لأستوعب الوضع الجديد. كنت متوقّعة أن يكون طرفٌ أو طرفان من أطرافي على الأقل قد تهشّما تماماً. لكن كم كانت دهشتي عظيمة حين تحسّست يديّ ورجليّ وتأكّدت من أنّني لم أصب حتّى بخدشٍ. في الواقع، ما زال هذا سرّاً لا أستطيع أن أفهمه حتّى اليوم، ولكن أحبّ أن أفكّر في أنّ العناية الإلهيّة تلطّفت بي في تلك اللّحظة. الضّحيّة الوحيدة في هذا الحادث الغريب كانت جزمتي طبعاً التي تحوّلت إلى شظايا، وباتت بحالةٍ لم أرَ حذاءً عليها في حياتي قبلاً قط. أخيراً، لم أملك إلا أن أجمع أشلاءها المتناثرة، ثمّ أجاهد للوقوف وكأنّ شيئاً لم يكن، في ظلّ جوٍّ صامت يوحي بأنّني في بنايةٍ خاليةٍ من السّكان. وبكلّ بساطة، عدت أدراجي إلى المنزل بحثاً عن جزمة الإنقاذ.
واليوم، من جديد، الأحذية "عملت عملتها السَّودا" معي. يقولون لي: "إمنحيه بضعة أيّام وسرعان ما ستعتاده قدمك ويكفّ عن تعذيبك." فأنظر إليهم بانشداه كمن يقول: "إنّو، هلّق عم بتقولولي، إنّو يعني قصدكم إني إرجع إلبسه بكرة وبعدو وبعدو، وأنا بكامل قواي العقلية؟ إيه، لأ!"
|
آآآه. أعود لمدونتك، أقرأ و دونما سابق إنذار أُبحر في ذكرياتي. عيد الفطر أو "العيد الصْغير" و قصتي مع "الصْبَّاط" الجديد!! أخبروني و أنا صغير أن اقظم الحذاء الجديد قبل أن يبادر هو بالقظم
!!
لم ينفع كل العظ "لصبابيطي" الجديدة و تعلمت خزن مجهود العظ والقظم للعيد الكبير: عيد الأظحى
:))