على الإسفلت المتصدّع، خطواتٌ تحكي نهارَها. قلوبُها على صفحته الرّمادية تطرقُ، ببطء.. بوهن. على الإسفلت المزروع حفراً وأقنيةً ومزاريب، خطواتٌ تغمّس نعلَها بمداد وحله القذر، ونهارها تحكيه له. الخطوات تنهال بضربةٍ فوق الحصى المرصوفة، ثمّ ترتفع بتثاقل، بإرادةٍ متراخية، لتهوي مجدّداً بالضّربة التّالية. والطّريق مائلةٌ وملتوية، فيها الأكتاف تصطدم بالأكتاف، والأقدام تعصر تحتها بقيّة الأقدام، والنّظرات غائبة، تستتر وراء حدقاتٍ زجاجيّة، أو تتراقص مع مليون أفعى. الخطوات تسير الهوينى، وتتلكّأ قليلاً. مهما حدث، علّموها ألا تتوقّف. من حولها، طرقاتٌ أخرى، إيقاعٌ مختلف. عجلةٌ، وسيرٌ حثيث، وهرولةٌ، واندفاعٌ في العدو، وبعض مرورٍ كأنّه خطف البرق، أو طيرانٍ كغمزة شهاب. لكنّ الخطوات رويداً رويداً تمشي، فوق غيمة، على جناح نسمة، على خدّ الماء... تداعب حلماً قديماً بالتّحليق، والحجر يتدحرج تحت عُرجها المشوّه، والأرض أبداً تمتصّها نحو باطنها السّحيق. خطوات مجهولة، لا تعرف كيف تعدّ أنفاسها، ولا تعرف لماذا لا تعرف كيف تعدّ أنفاسها، ولا تعـ... لا، لا شيء.
ملّت الزّحف والدّبيب، ومنها ملّ الملل. ومنها انتحب الليل. ونامت خمسون دمعة، ثمّ استفاق سرُّ. ونام خمسون سرّاً، ثمّ صفّر الصّمت. خطواتٌ تحكي نهارها، وبَعدُ؟ خمسون ألف بَعد.
والإسفلت لا يحفظ الآثار. تذرعه الأقدام ألف مرّة كلّ يوم، لكنّ بركه المائيّة تغسل الوطآت، ووجهه الصّلب لا يكترث لأحد. لوهلة، تخال أنّ خطواتٍ أخرى تحاكي إيقاعك نفسه، فتلتفت، ولكنّك، في خضمّ الضّجيج، لا تسمع أحداً. عرباتٌ تلتهم وجه الإسفلت المستطيل، وهو في كلّ مرّة مُلتهمها. لا عتباتٍ على الطّريق. لا درجاتٍ تحطّ رحالك عندها. وحدها الواجهات. تبصر فيها طيفك المعوجّ لبرهة، قبل أن تنسى كيف تبصر في البرهة التّالية. ويمضي الوقت. ثمّ تنسى لماذا كنت تريد أن تبصر. ثمّ تنسى لماذا كنت تريد. وأخيراً، قبل أن ينطفىء الضّوء بهنيهةٍ، تنسى لماذا كنت أصلاً.
(حين تسود العتمة، تمرّغ فيها أنظارك حتّى ينقشع الأبيضُ من قلب السّواد. تفتح الباب: ترى نفسك في الدّاخل وأنت تفتح باباً آخر. فآخر. فآخر.)
حينها فقط، بكلّ بساطةٍ... تنسى. |
سلام
سعيد بقراءة خواطرك مجددا
صحيح ان برنامج عملك مكتظ صحيح انك لا تجدين وقتا للكتابة
لكن ماذنبنا ان نحرم من هذه الكتابات والتي تحتوي علي دقة متناهية تؤكد أن داخلك مشروع كاتبة تحتاج فقط للمغامرة