حبّةٌ، تلو حبّة، تلو حبّة... إحصاء الحبوب التي تناولَتْها في ساعتين بات مسألةً عسيرة. أمست الآن تبتلعها بطريقةٍ آليّة: تتّجه نحو خزانة الأدوية، ويدها تمسك بأسفل بطنها، وظهرها يكاد يقبّل الأرض، فيما اليد الأخرى تبحث عن ملاذٍ فوق سطح الجدار البارد؛ ثمّ تروح تبعثر العلب المتكدّسة، وهي بالكاد تبصر المعالم أمامها. تبتلع حبّتي مسكّن بسرعة، دونما حاجة حتّى إلى كوبٍ من الماء. تبتلعهما وتغمض عينيها. تتذكّر فجأةً جدّتها الكفيفة حين كانت تقول لها: "عندما تغمضين عينيك، يصبح العالم أكبر". تغمض عينيها، فيغدو الوجع أكبر.
ما من أحدٍ في المنزل غيرها، والألم يتزايد مع تقدّم الدّقائق والسّاعات. زياراته الشّهريّة تسلب منها، في كلّ مرّة، بعضاً من ضحكاتها.الأنين يتحوّل تهدّجاً، فصراخاً بلا أصداء؛ وما يلبث أن يستحيل صوتاً غير بشريّ، يصطدم بجدار خفيّ أمامها، فيستكين لثوانٍ معدودة، قبل أن ينطلق بكلّ قوّة من جديد. تحاول أن تغرز أسنانها في المخدّة المبلّلة، لكنّها سرعان ما ترمي بها بعيداً بما بقي لديها من ذرّات صلابةٍ واهنة. يجتاحها شعورٌ بالغثيان، فيخيّل إليها أنّ يداً مجهولة لا تنفكّ تطعن أحشاءها. ركبتاها تصطكّان، فتجذب إليها الغطاء في لحظةٍ، لتعود فتبعده عنها بنفور في اللحظة التالية. لا تدري ماذا تفعل. تمشي قليلاً. لا، هذا لا ينفع. تجلس، فسيتبدّ بها التّململ. تتكوّر على نفسها، فتكاد أنفاسها المكتومة أن تخنقها. كلّ حركةٍ تنفث في أوصالها سمّها البارد. إنّها لتبذل أيّ شيءٍ في هذه اللحظة. لتبيع روحها البائسة. فهل من يشتري؟ هل من ينتزع أوردتها وريداً وريداً كي تذهب وترقد في جنائن بعيدة؟
تشعر أنّ الألم يرتفع بها إلى مستوىً سامٍ. إلى أرضٍ بيضاء، حيث الضّباب كثيف، وحيث المرء ينسى اسمه، وعائلته، وكلّ العالم من حوله.. أرض الكفرة واليائسين ومن يبيعون أرواحهم لشياطين مجهولة.. الأرض التي ينتحر فيها معذّبوك، حين يكتشفون أنّ خطّ النّهاية لا يدور على نفسه.. أرض الجلادين المضربين عن العمل، لأنّ ألوان الويل التي شوّهوا بها وجهك قد استنفدتَها كلّها. الأرض حيث تغمّس هي ريشتها في ألوان الألم، بكلّ عمدٍ، وقسوةٍ، واستهزاءٍ، وفراغ، كي تبلغ، شيئاً فشيئاً، مرحلة النّشوة.
"الأرض اليباب".
ويبصقها الضّباب إلى أرض أخرى. إنّه الواقع من جديد. يردّها إليه رنين مفاجىء. - آلو؟ آلو؟ ما من مجيب. تنادي مجدّداً. لكنّ النّداء يبقى يتيماً. تنتظر. في الخلفيّة، يتناهى إليها لحنٌ مألوف. نغمةٌ فيروزيّة تنشد "عندي ثقة فيك". لا تدري بالضّبط متى انزاح عنها ثقل السّاعتين الماضيتين، ومتى بدأ النّعاس يهدهدها. على أرجوحة السّماعة، حيث يشدو لحن أرضها القديمة، تغفو بوداعة.
|
Eve, thank you for your comment! It thought it was very funny when you said you're not my brother, for a change. I was laughing out loud! In any case, I am glad you wrote, because now, through your website, I discovered a whole world of Lebanese blogs! Gotta start reading! I'll make sure to add the appropriate links to my blog. As for losing3it, yeah, I do know her. She happens to be my sister. I actually made her blog, in attempt to get her to write again. But it wasn't a very successful attempt; she's been so busy with her studies. But I'm not giving up hope. You're not the first person to ask me about her. I'll let her know, maybe that'll motivate her. And please keep me posted. My e-mail is archmemory@yahoo.com
Best,
arch.memory