عندما تسلك طريق الحمرا-السّوديكو عصراً، أي عند انتهاء دوام العمل تقريباً، وإذا صادف أنّك تستقل الحافلة الحمراء رقم ثمانية، فلا بدّ من أن تكون قد رأيته مرّةً. فحين يظهر مفتّش التّذاكر هذا، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام أبداً!
"سيّداتي سادتي! سنيور وسنيوريتا! بيلا بيلا! هاو آر يو؟" ...وما إلى هنالك من حفنة العبارات الرّكيكة التي استوردها من الانكليزيّة والإيطاليّة والفرنسيّة، وعرّبها على طريقته الخاصّة.
يصعد، فينتعش روّاد الحافلة كافةً. يوقظهم من سباتهم وشرودهم المصبوغ بتعب النّهار الرّماديّ. يحيّي الرّاكب الأوّل على طريقة الأصدقاء القدماء، ويمدح الثّاني على أناقته أو وسامته. ثمّ يلتفت نحو إحدى الرّاكبات ويهنّئها على تسريحة شعرها الجديدة: بيوتيفول! بعد ذلك، يصل دوري، فيطلب منّي رفع نظّاراتي الشّمسيّة، وأنال نصيبي من الإطراء كذلك. فإذا كنت أشعر بالسّأم، أتبادل معه أطراف حديثٍ يناسب شخصيّته الجنونيّة. لا يبتسم أبداً. ومع ذلك فإزاء هذا المزيج الغريب من جدّيته المصطنعة وملاحظاته المرحة، لا يمكنك إلا أن تضحك، ولو كان ثقل اليوم كلّه ملقىً على كاهلك. البعض صار يعرفه وينتظره على أحرّ من الجمر. أمّا البعض الآخر، فيتفاجأ، ويظلّ يلتفت حوله بدهشةٍ وابتساماتٍ طفوليّة. وهكذا، بلمسةٍ منه، لا يعود ركّاب الحافلة غرباء؛ بل يشرع الجميع في حوار كأنّهم لم يكونوا ذلك الصّنم البارد، قبل لحظاتٍ من صعوده فقط.
قبيل ترجّله، يسأله أحد الرّكاب، مستفسراً عن سرّه: "هل تنوي التّرشّح للانتخابات القادمة؟" فيردّ المفتّش بسرعة كمن تلقّى إهانةً: "ما زال في هذه الدّنيا أناسٌ طيّبون... علينا أن نشجّع السّياحة، كلّ بمقدوره. توريسم يا إستاذ!"
نضحك. يغادر. أبتسم. الوجوه ما زالت عابقة بأثره. الدّنيا ما زالت طيّبة بوجوده. |
تذكرني بسيدة يعرفها كل من يركب الحافلة الحمراء رقم ثلاثة المتجهة لحي الرياض بالرباط
.ثماما الديكور نفسه
.شكراً إيف... أحييتي فيّ ذكرايات جميلة