لطالما اعتبرت أنّ رحيل الكاتب عن الورقة والقلم علامةٌ على سعادته وصفاء ذهنه، وأنّ إغلاق المدوّنين، أمثالي، لأبواب مدوّناتهم لمدعاةٌ إلى التّهليل والفرح. فغياب الأوّل قد يوحي أنّه وجد أخيراً السّعادة التي تعجز كلماته عن وصفها؛ وانسحاب الآخرين قد نعلّله بإغلاقهم بئر أسرارهم، وتنسّمهم الأريج الطّبيعيّ لزهرةٍ لا تختبىء في محيط شاشاتهم، ولا تركض أصابعُهم وراءها، فوق لوحة المفاتيح، بدون جدوى.
لكن لعلّ صنّاع الكتابة مخلوقاتٌ مضطربة نفسيّاً. تحمل زادها من كآبةٍ ومخاوف وهموم، وتجوب بحار البشر هائمةً، بحثاً عن أيّة ورقةٍ بيضاء تلفظ عليها منابت أحشائها. وكلّما مرّ الوقت، وضَنِيَ البحث، تزداد النّفس هلوسةً، ويكثر التّلفت ذات اليمين وذات اليسار، كمدمنٍ ينشد ضالّته. وكمدمنٍ أيضاً تجرّه رغباته إلى القتل، يقتل الكاتب أيّ شيءٍ، أيّ شيءٍ يعترض طريقه، إذا لم يسعفه الحظّ بتشويه ملامح الصّفحة البيضاء. لكن في معظم الأحيان، وبحكم العادات والقوانين، وبحكم تفاهات المكبوتات، يضطر للانسحاب إلى داخل نفسه، والاستسلام للقتل الذّاتيّ. حتّى إذا ما مرّ العمر، وبقيت الصّفحات برّاً عصيّاً، وبقي الإلهام طيفاً بعيداً، ينزوي الكاتب في غرفةٍ، ويدير القفل على نفسه مرّتين. وبحبال خيبته، يجده النّاس مشنوقاً في اليوم التّالي.
ماذا إذاً؟ أغيابه سعادةٌ أم انهزام؟ أيغمّس ريشته بمداد الحزن لينتشي بسكرة نتاجه الجديد، أم يخوض عباب الأمل ليعاكسه التيار وترميه الأمواج على شاطىء الخيبة؟ وبعد، هل الكلمة إلا امرأة لعوب، تدنو منه تارةً، لتعود فتضنيه بالهجر طوراً؟ فإذا ما نجح في جرّها إلى سريره، تراه يحبسها في مخدعه، ليكتشف أنّها أرضٌ وطئها كثيرون غيره قبلاً. حينئذٍ، يحاول أن يستملكها بطريقةٍ من الطّرق، بأساليب ملتوية لم يقدم عليها أحدٌ غيره. يحاول أن يمعن فيها تخريباً، ويردّها الأرض البور التي لم تلوّثها رائحة المدينة بعد. يحاول، في لحظة وهمٍ، أن يُلبسها قناع الخفر الكاذب. أمّا الكلمة، فتشعر بكلّ الاضطراب الذي يجلبه طوعاً على نفسه، ذلك المجنون بحبّها. لكنّها تهزّ رأسها بشفقة، وتمضي.
عند أبواب جنّة السّعادة، يقف الكاتب إزاء الملاك الحاجب ويستأذنه في الدّخول. ينظر هذا الأخير إلى دفتره، يمرّ على أسماء النّزلاء، يقلّب الصّفحات. ثمّ يرفع نظره إلى الزّائر من جديد، ويعود إلى تقليب الصّفحات بتمعّن. أخيراً، يغلق الكتاب، ويهزّ رأسه نفياً: "لا مكان لك بيننا!" الكاتب يعترض.. يحاول أن يشرح: "أنا أولى بالدّخول من غيري. فأنا الذي مهما حاولت أن أكتب، يتنسّم النّاس في كلماتي الحزن. ومهما حاولت أن أشرح عن سعادتي، يبحثون هم عن الدّمعة الكامنة خلفها. جعلوني أحترف الكآبة، وأتّخذ السّوداويّة لي صنعةً. وكلّما طالعوا سطورها، طالبوني بالمزيد من عذاباتها وتأوّهاتها. أنا الذي إذا استغرقت في الضّحك، سمعوا في صوتي نشيجاً؛ وإذا تبيّنوا البِشر في وجهي، أرادوني هائماً في أودية الأحزان، أو تخيّلوني أتقلّب على فراشٍ من الجمر. دعني أدخل بالله عليك. وصدّقني، لست بحزينٍ، لست بحزين!!"
ينظر إليه الملاك لبرهةٍ. وما تلبث ملامح الشّك أن تبان على طيفه الأبيض. يسكت. يطول سكوته حتّى يخال المرء أنّه لن يتكلّم أبداً. ثمّ، شيئاً فشيئاً، يلوح طرف ابتسامةٍ على ثغره، سرعان ما تستحيل بسمةً عريضة، فقهقهةً بملء الشّدقين: "أحسنت! كدت تقنعني للوهلة الأولى!"
عندئذٍ، لا يملك الكاتب إلا أن يغادر وهو يجرجر وراءه ذيول الخيبة. من ورائه، ما زالت شهقات الملاك تتناهى إليه وهو يقول: "كاتب وسعيد؟! سيسرّ ملاك الحزن بهذه النّكتة الجديدة!" |
حبيت القطعة دي جدا--و انتي عارفة اني بحب كتابتك يا إيف عامة--و لكن القطعة دي بتتكلم عن حاجة اصيلة بالنسبة لي: أن تكون كاتباً
انا كاتب محترف من 12 سنة، قبضت أول فلوس عن كتابتي و انا عندي 13 سنة.. الكتابة هي حياتي الحقيقية.. مش عارف هو الحزين بيبقي حاسس انه حزين قوي يعني فعلا و لا لأ.. تعرفي يا إيف؟ دايما كنت باسخر من فكرة التعيس أوي دي.. مش عارف.. بحس انها كاريكاتير.. سواء في اظهار ده للناس (ده بارانويا اصلي مع مكونات مازوخي) أو حتي بالشعور بده فترة طويلة.. أكيد سايكو.. مش طبيعي.. و بالتالي حزنه ما ينفعش نقيسه علي مقياس "حزن الناس الطبيعيين"..يعني انا بحس ان الحزن ده انت ما بتحسوش علي طول.. اهو بيستخبي جواك و خلاص.. مش انساني انك تفضل تحس بيه علي طول.. مش طبيعي.. يعني.. بتيجي لحظة حد يقولك: ايه بصة الحزن اللي في عينك دي؟
برضه مش عارف: إذا كنا لابد من كوننا حزانى و لا لأ.. مش عارف.. يعني انت قولتي هنا أن الكائن السعيد ما بيكتبش.. طبعا مفهوم السعادة نسبي.. بس خلينا نقول : المرتاح؟ بيتهيألي فيه ناس كتير مرتاحين و بتكتب كويس جداً..يعني الحزن بيضيف لخبرتك الشعورية و الحياتية كبي آدم.. بس مش شرط تكون فعلا "حزين" علشان تكتب، أو علشان "تكتب كويس".. أنا عن نفسي باضحك كتير، بس كتابتي هي محاولة لأعادة تكوين الحياة في صورة الآله.. الدور اللي انا بحبه اكتر من غيره.. جوه في اوضتي الصغيرة بحدد مصاير شخصياتي.. بكتب تفاصيلهم و بقدر عقاباتهم و عطاياهم
أنا مرة كتبت أن حياتي هي كتابتي.. مش حياتي الحقيقية.. أنا بحس أني فعلا فورم تاني من الوجود لما اكتب.. حد ما بيبقاش عايز يدخل الحمام.. أو يجوع.. أو يعوز ست.. فورم تاني--صيغة تانية--من الوجود اعظم و ارقي من الانسان اللي انا عارفه
علشان كده--تقريبا--أنا بكتب
مش عايز اطول عليكي و علي اي حد بيقرا دلوقت، خصوصا أن محدش طلب شهادتي التاريخية هنا.. فحقول بس في الأخر:
اكتب لأسعد اصدقائي
-جابرييل جارسيا ماركيز
بينما بيقول فوكنر--ابوه الروحي:
اكتب لأقتل احبابي
متشكر علي البوست ده يا إيف
علاء
ملحوظة: شفتي بقي انك سيريال كيلر؟
:P