تلقّيت اتّصالاً هذا الصّباح بأنّ المكتب حيث أعمل قد فتح أبوابه، وعجلة العمل فيه قد عادت إلى الدّوران... فتحت الخزانة في غرفة نومي، حيث نلقي أنا وأختيّ بكلّ ما يخطر في بالك من ملابس وحقائب وأحذية (ورشة العمل يعني)، وبقيت للحظاتٍ شاردةً أمامها لا أدري عمّا أبحث. نعم، تذكّرت. كنزة سوداء، كان عليّ العثور على كنزة سوداء. لأوّل مرّة، أريد لحزني أن يجيد لغة الثّياب. غير أنّني قلبت المكان رأساً على عقب، إلى أن تذكّرت أخيراً أنّني، لسوء الحظّ، لا أملك كنزةً سوداء! لكن حين شاهدت أختي وهي تدخل الغرفة بكنزتها الخاصّة، وجدت ضالّتي أخيراً!
مرّة أخرى، أكتشف الحيّ في أعقاب الأحداث الأخيرة. الجميع، مثلي، متّشحون بالسّواد. تتلاقى النّظرات. تنطق من غير كلام. كأنها تهزّ لك برأسها وتقول: "أعرف.. أنا أيضاً مثلك." سائق سيّارة الأجرة، هو الآخر، لا يتكلّم كما يفعل السّائقون عادةً. لا يتأفّف من غلاء المعيشة، ولا من أحوال المهنة المترديّة. غريب، لا يزاحم السيّارات الأخرى. لكن، بين الفينة والأخرى، يقطع حبل الصّمت ليناجي ربّه قليلاً، ثمّ يعود شاخصاً إلى الأمام.
لا أدري لمَ ساورني شعورٌ بالانقباض. في الواقع، كنت أشعر أنّ الحياة ستعود إلى مجراها الطّبيعيّ، فتمضي الأيّام، ويطوي النّاس الصّفحة على ما حدث، وتعود الأمور إلى سابق عهدها، كأنّ شيئاً لم يكن. فيسبغ عليّ هذا الشّعور مزيداً من الخشية والتّململ. فماذا لو حطّت اللامبالاة رحالها عندنا، واستأنفت الإل. بي. سي. بثّ ستار أكاديميّتها، ورجع النّاس للتّصويت للمشتركين، وقد أحجموا عن التّصويت من أجل الحياة؟ فإن هذا لم يهزّنا، ما الذي عساه يفعل! وإن هذا لم يوقظنا من كبوتنا، كيف ترانا نتصرّف عند توالي الصّفعات، وانطباع آثارها التي تظهر على الوجوه لكن لا تبان في القلب؟ صحيح أنّ الحياة ينبغي أن تستمرّ، صحيح أنّه من واجبنا أن نعود إلى التفاؤل والضّحك والغناء والعيش، ولكن ماذا لو أنّ هذه الحياة استمرّت من حيث توقّفت: بفراغٍ لا طعم له، لا سبب وجود، لا هدف، ولا يفوح منه عبير اللا؟ في حال حدث ذلك فعلاً، لا أريد أن أتصوّر الآتي...
شخصيّاً، يؤسفني أن أقول إنّني ما زلت في طور الصّدمة؛ لم أتجاوزها بعد. أسمع من يقول: تحرّكوا قبل فوات الأوان. لكن أشعر أنّني مشلولة. كمن يرى النّار على وشك أن تحرقه، لكن يتسمّر مكانه، لا يأتي حراكاً. لا أريد أن أبدأ بكلام المواعظ، وبكلّ الأقوال التي تتكدّس فوق الرّفوف إنّما لا تؤدّي إلى أفعال. بصراحة، لو لم أكن قد قرّرت أن تعكس هذه المدوّنة نفسي وأفكاري بجميع أحوالها وسائر ظروفها، لمحوت كلّ ما كتبته للتوّ بغمضة عين. لأنّه أيضاً تكديس كلامٍ على الرّفوف.
خلص، لازم روح، ما بقى بدّي إكتب هلّق. وجعني راسي. بُكره. بُكره برجع بكتب.
|
سلام
أتمنى صديقتي أن تكوني بخير اليوم
ما كتبتيه ليس تكديس كلام علي الرفوف بل هو بوح صادر من القلب وتأكدي أنه واصل الي القلب فكل كلماتك تجد صدى لها عند قارئيك واعتز لأنني واحد منهم
أنا ضد مبدأ النسيان يجب ان لا ننسي لكن علينا أن نراكم التجارب والهم هو أن الضرية التي لا تقسم ظهرنا ستقوينا
وأعتقد أن خير تكريم وتخليد للأموات هو تكملة تشييد الأعمال التي بدأوها