لا أشعر برغبةٍ في الكتابة. هي رغبةٌ في الهروب نحو الأحلام وحسب. في المرّة الأخيرة، سحبتني الأحلام لاثنتي عشرة ساعة متواصلة. بقيت مطبقةً فوق جفوني، تهدّدها إذا تجرّأت على الحركة، تؤخّر ساعة اليقظة على خبر دمارٍ جديد... يقصفون، فأحلم بشمسيّة متعدّدة الألوان. يزمجرون، فتتناهى تهويدةٌ من بعيد... صحيحٌ أنّني، في بعض الأحيان، أحلم بأناسٍ يُقتلون، وأرى سحاباتٍ متوهجة من النيران. لكنّها برهةٌ قصيرة تسرقني ريثما تسحبني الأحلام الأخرى في تيّارها من جديد. الغارات التي تعوي ليلاً باتت تبذل مجهوداً إضافيّاً كي تنتشلني من هذه القوقعة حيث حبست نفسي. واللّيل الصّاخب الذي يُقلق مَن حولي يمرّ على أذنيّ حملاً وديعاً. لا أعرف في أيّ عالمٍ أكون ساعتها، أو أيّ يدٍ تصدّ عنّي زعيقهم. جلّ ما أعرفه أنّ السّاعات تمضي وأنا نائمة. لا أريد أن أصحو. فالعالم الحقيقيّ يبدأ عندما أغلق عينيّ، وهذا الذي أراه على الشّاشات ما هو إلا كابوس يوشك على الانتهاء.
لا أشعر برغبةٍ في الكتابة. يهدّني التّعب. اليد الخفيّة تمسك بي من جديد. تريدني أن أترك لوحة المفاتيح هذه وأغفو. هي نفسها التي ضغطت على الزّر قبل قليل، وجعلتني أنتقل من القنوات الإخباريّة إلى كاري غرانت بالأبيض والأسود. بعيداً عن هموم نفاد الوقود، وانقطاع الكهرباء، وتدمير الجسور، ومشرّدي المدارس، وصور المجازر، جعلتني أتابع كاري غرانت ينقذ إنغريد برغمان، ويخبرها إنّها لن تتخلّص منه بسهولة. ترنّ العبارة الأخيرة في ذهني. "يا ريت خلاصنا متل خلاصك يا إنغريد!". أهرب من الألوان نحو خيالٍ مغمّسٍ بالأسود والأبيض. الألوان تؤذي عينيّ. تنضح بالأحمر القاني. أشعر بالذّنب. اليد الخفيّة تريح أصابعها فوق فمي. تقول يجب أن أهدأ. عليّ أن أترك جفنيّ ينسدلان. بهدوء... بهدوء...
في عالم اليقظة، لا طاقة لي على الحب. فرغت من المثاليّات. لست ملاكاً. |
عالم اليقظة لم يعد أسود.. بات أحمر.
بتنا نترحَّم على السواد