حدا منكم بيتذكّر أبو نبيل؟ عكَس الزمن وسافر عكندا بخريف العمر، وعكسه مرّة تانية لما قرّر يرجع علبنان مع بداية الحرب. الكبار اللي قروا الرواية اعتبروه مجنون. بس أنا وقتها ما كنت كبرت متلهم. كان عمري يمكن شي 11 أو 12 سنة. بحس كتير إنو، هالمزيج اللي هو أنا، بيحتل فيه رضوان أو أبو نبيل جزء كبير منه. يعني أنا، تفكيري، في جوّاته عجوز خرفان عمره سبعين سنة، عمره بحياته مش شايف أسنسور. ما بعرف شو كنت عملت اليوم لو ما في ناس إيمانها أقوى من شوية فرافير قرروا يتسلوا بالبلد؛ ناس ما بتخلي سبب تافه، متل أشباح حرب أهلية، تمنعهم عن الإقلاع، كل يوم، عكس الزمن... في ما يلي تحيّة استذكار:
"مثلما أبصرهم في حلم اليقظة، يراهم أمامه، متحلّقين حول مائدة المطبخ، يتحادثون همساً. أحسّ بحدسه أنّه موضوع الحديث، وانقبضت نفسه. خشي أن يتحوّل حوار الحلم إلى حديث اليقظة، فبادرهم بالسّؤال: - خير إن شاء الله. شو أخبار البلاد؟ التقت عيونهم في مؤتمر لحظة، قبل أن يرد نبيل: - الأخبار منحوسة، الحالة من سيّء إلى أسوأ. - هذا ما يقوله الرّاديو؟ فردّ حسّان: - الرّاديو، التّلفزيون والصّحف. كلّ وسائل الإعلام لا حديث لها، إلا عن لبنان. هزّ رأسه بأسى: - كان لازم توقع الحرب، حتّى يهتموا فينا؟! ردّت نوال: - هذا بالضّبط ما هو حاصلٌ يا أبي. لولا الحرب ما كنّا سمعنا أخبار الوطن. من المؤسف أنّ عصرنا يتغذّى بمواضيع الإثارة، ولا يشبع. وسألها: - شو قولك، يا نوال، الحرب طويلة؟ فأجابت ببساطة: - الحرب، يا أبي، نعرف متى تبدأ. لكن متى تنتهي، هذا علمه عند الله وحده. وطرح سؤالاً يختبرهم: - وشو العمل؟ وتجرّأ نبيل: - على الصّعيد العائلي، نحمد الله على أنّكم هنا؛ وهذا يخفّف من قلقنا وانشغال بالنا. أمّا على الصّعيد الوطني، فالإخوان المغتربون متحمّسون للاجتماعات، ونرجو أن تكون لقاءاتنا مثمرة. وفاجأهم بردّه: - من جهتي، أنا، بفضّل إرجع "للجورة" قبل ما تصير الحالة أسوأ. ترفع أمّ نبيل صوتها، في وجهه، لأوّل مرّة: - ولكنّك مقدم على الخطر يا رجّال. من الجنون أن تسافر الآن إلى البلاد. - جنون، أو غير جنون... هكذا قرّرت. ويتدخل نبيل: - المسألة ليست مسألة تقويم كلام واتّخاذ قرارات، يا أبي، هناك خطر أكبر منّا جميعاً. النّاس يهربون من لبنان، وأنت راجع... لماذا؟ وتسانده نوال: - ما دمنا كلّنا هنا، يا أبي، وكلّنا أولادك، فلذات كبدك، أحفادك، ورفيقة العمر، حبيبتك أمّ نبيل... فإلى من تعود هناك؟ يرفع عينيه إلى وجه نوال ولا يردّ. ويحرجه حسّان: - نوال طرحت عليك سؤالاً هامّاً، لماذا لا تجيب؟ من ينتظرك هناك؟ يبقى صامتاً. يفضّل الصّمت على أن يجرحهم بالجواب، فيقول لهم: - هناك من ينتظرني. حبيبتي تنتظر بشوق؛ تتّكىء على جبل حرمون، وتفتح لي ذراعيها بلهفة، لتضمّني إلى حضنها الدّافىء... هناك، حيث غرست سبعين سنة من عمري. وتنبري لمياء: - تحبّك؟ أكثر ممّا نحبّك نحن؟ لا أظنّ! هذا مستحيل. لا نسمح برجوعكم للبلاد في الوقت الحاضر. النّاس تهرب من لبنان بالزّوارق، وفوق بواخر الشّحن... فقال: - النّاس أحرار يا بنتي. كل واحد يعمل ما يناسبه. وأنا شعوري يدفعني إلى أن أرجع. وبأسرع وقت. اعترض حسّان: - يا أبي، دعنا نتصارح: رجوعكم لا يفيد الوطن. ويمكن أن يكون أكبر خطر على حياتكم. فردّ رضوان مؤكّداً: - لا أحد يموت قبل أوانه... وقبل حلول السّاعة. أخرسهم جوابه، وحرّك الإنسان الصّامت في أعماقهم، والتّائق توقه هو إلى تلك العودة. انتصر عليهم، في هذه اللّحظة، على الأقل... حين يقترب من حدود الجرح المفتوح، يستطيع أن يغلبهم... فقط حين يضع إصبعه على نقطة الضّعف والانهزام: غربتهم الجائرة".
منقول بتصرّف عن رواية "الإقلاع عكس الزّمن"، إميلي نصر الله، 1981. |
Ton pays, Eve, est comme un gâteau divisé en plusieurs morceaux, malheureusement, les libanais se parlent dos a dos, et ne veulent qu’une seule chose se bagarre jusqu'à la mort pour avoir la plus grosse part… le truc c’est de faire attention que ça ne soit pas un étranger qui ramasse les miettes qui resteront après le combat.
Leçon culinaire a méditer !