أطلب رقمك في هاتفي. أنتظر. وأنتظر أيضاً. أسقي الرياحين في الأُصص. أزهاري طفلٌ خائف. يبوّل فراشه ليلاً. والتّراب يباسٌ. كعلامات الوقت فوق قلبي. أرى ساكنةً بعدي تسقي قرنفلا. تحتلّ غرفتي.. أشيائي الصّغيرة. تهاتفك ليلاً تحت غطاء. أذني ما زالت فوق السّماعة ... وأنت لا تجيب
"الرّقم الذي تطلبه غير متوفّر حاليّاً". عاملة الهاتف الغبيّة... ما أدراها بحرقتك. تلعب بخصلاتك وتخبرني أنّك غير موجود. هل تعرف، مثلي، أنّك تبكي في زاويةٍ، كلّما أطلّ اللّيلُ... وذهبوا هم في الغابة؟ هل تعرف أنّك تخاف، وحدك، في الظّلمة؟ لمَ لا ترفع السّماعة... ألم تعد تحبّني؟ لكنّي لا أحقد عليك مثلهم. لا أنعتك بأرضٍ ناقصة أو شبه وطن. لا أخجل بك، ولا أعلن أنّني معك... عاطلةٌ عن الحبّ. ألم تعد تحبّني حقّاً؟ يقولون إنّك لا تحبّني. يذهبون إلى الصّيد ويضيفون إنّك لا تستحقّ العناء أصلاً...
بالأمس، حلمت أنّك على شفير هاويةٍ، تتعلّق بيديّ، وترمقني بتلك النّظرة الغريبة. لا أدري أكانت النّظرة أم الحالة أم شيءٌ ما في الهواء مرّ ولم نتنبّه له... لكن عندما أفلتَّ يدي، بقيتُ أنظر إليك.. أتفرّج بصمت.. وأنت تهوي. نحو قاعك اللامتناهي. نحو عالمك السّحيق. تهوي دون صوت ارتطام. كانوا ما يزالون في الغابة. عادوا ولم يجدوك. عادوا ولم يسألوا عنك. قلتُ إنّك ذهبت إلى مكانٍ أجمل، بعيداً عنّا كلّنا، لكنّهم لم يسمعوني. أخذوا ثيابك، وولاعتك، وبعض أغراضك، ثمّ تخلّصوا من الباقي كجثةٍ، كعظام طريدة.
يرنّ يرنّ الهاتف... أريد أن أخبرك أشياء كثيرة. كثيرة جدّاً. أنّ أهل الغابة لن يبدّلونا، أنا وأنت. أنّني لم أقصد أن أفلت يدك. حقّاً، لم أفعل. وأنّني لا أحبّك بسبب كتب جبران، وصوت فيروز، وسويسرا الشّرق، وقطعة السما، وقرب البحر من الجبل، والمناخ الجغرافيّ، وملتقى الحضارات... لأنّك النّسمة غير المنظورة، والاستكانة إلى الحياة، والدّمعة الخفيّة في كفّ منزوٍ، لأنّك المتألّم الذي لا يؤلم، أحبّك.
يرنّ الهاتف وأكاد أقفل.
دوماً في اللّحظة الأخيرة، تكذّبهم وتحبّني.
|
@#$% @#$% hal balad