وسط المدينة. السّاحة في عطلة نهاية الأسبوع. نصطفّ معاً قرب درج كنيسة مار جاورجيوس. نراقب المدعوّين وهم ينتظرون خروج العروس. ننتظر مثلهم. قيل لنا إنّ بريقاً غريباً يومض في عينيّ الصّبية يوم عرسها. لم نصدّق ولكنّنا انتظرنا بأيّة حال. نفغر فاهنا لحسن النّساء وجمال زينتهنّ، ولوهلةٍ ننسى المثلّجات وهي تذوب بين أيدينا؛ تخلّف بقع الشّوكولا فوق سروالينا الجينز. نضحك ونلعق ما تسرّب منها إلى معصمينا. تنكزينني، وتومئين إلى مجموعةٍ من الشّباب ينظرون ناحيتنا من بعيدٍ. كعادتنا نتصنّع اللامبالاة، وكعادتنا نسترق النّظر ونتجادل من أكثرهم جاذبيّةً. نشعر أنّ العالم كلّه في قبضة يدينا الجامحتين، وأنّنا جزءٌ من رسمٍ في كتاب قراءة منسيٍّ، نحيا بعد هروب التّلاميذ.
وسط المدينة. وأريد أن ألتقط الصّورة المثاليّة. أنظر عبر العدسة. أريد أن أسجن فرحة "ذات الرّداء الأبيض" في إطار صورة. أعلّقها حين يعوزني تخليد اللّحظة في حلمها الأوّل. في ومضتها البكر. في استمراريّتها الوهميّة. في جمالها المصطنع بعد حين. في مكابرة للنّسيان. في سخريةٍ من الزّمان. في برمجةٍ للذّكريات. في جمود الأشخاص. في كليشيهات التّعابير. في غيابٍ يوشك أن يقبل. في حضور بعدُ لم ينقضِ. في رنّة ضحكة. في هيئة فستانٍ أبيض. في ألوان باقة تطير، وحماسة أيدٍ تعلو. في أنخابٍ تُرفع، وكؤوسٍ تُشرب، وقُبلٍ تُخطف بلمح البصر. في أبخرة عطورٍ ونغماتٍ لا تنفكّ تتردّد. في نظراتنا، أنا التي أنتظر وراء الكاميرا، وأنت التي تنكزينني وتومئين. في عودتنا المتنهّدة إلى الحاضر، نتّكىء معاً فوق درج الكنيسة... وننتظر.
وسط المدينة. والمطر بدأ يهطل. قلبنا على المدعوّات في السّاحة، وأثوابهنّ الجميلة، وتسريحاتهنّ، وزينتهنّ التي تخطفها قطرات المطر. نتبلّل تماماً. وننتظر. ننتظر. لا نعرفها. لا تعرفنا. ولكنّنا نبقى، لا نعرف لماذا، كمن يتسوّل، لأجل بريق عينيّ صبيّةٍ، في يوم الزّفاف. كمن يعود إلى طور المراهقة وينتظر حلم الطرّحة والفستان. كمن يتشبّث برحلة الإنكار، لكنّه يريد لهنيهةٍ أن يتفيّأ ظلال الإمكان. كمن يحلم سرّاً، لكنّه يلعن الأحلام.
عندما أطلّت أخيراً، أفلتت على غفلة منكِ كلماتٌ، كأنّما تردّين على سؤالٍ لم أطرحه: - طيّب، وأين هو؟ أخبرينني أين من سينير البريق في عينيّ أنا؟ أين؟ أنتهرك سريعاً، وقد خشيت أن يجرفك التيّار إلى الشّاطىء الآخر: - يا بنتي، استيقظي! وهل سمعتني أقول لك "عقبالك"؟
لا أتنبّه أنّني، بدوري، لا أتأمّل المشهد عبر عدسة التّصوير، وأنّني، لبرهةٍ، سرحت في بريقٍ آسر، يومض في عينين فتيّتين...
غريب! وحدها هي لم تكن تبالي بالمطر. |
هي لم تقا لك "عقبالك" أما انا بقولك "عقبالك" وأنشاء الله ستجدين قريباً من سينير البريق في عينك.ّ