mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
الماضي القادم
تناثرت حبّاتٌ خمس من لآلىء القرن الواحد والعشرين. فجأةً انتبهت إلى أنّ العقد قد انحلّ، وأنّ حبّاته قد انفرطت منّي الواحدة تلو الأخرى، بخفوتٍ، كانسياب الهمس بين حنايا الوتر، قبل أن أستطيع تداركها. كيف سرقتني السّنون من نفسي، هكذا، على غفلةٍ منّي؟! كيف أضحيت هذا الكيان الذي يتلبّسني اليوم، والبارحة فقط كنت تلك التّلميذة الصّغيرة التي تضحك الشّمس على كراريسها؟ اللآلىء الخمس في زوايا العمر موزّعة هنا وهناك. أفتّش عنها عن كثب. أقلب المكان رأساً على عقب. يضنيني البحث أحياناً. لكنّ عينيّ لا تنفكّان تستطلعان المكان، بحثاً عن وميضٍ يناديهما. ثمّ أرهف سمعي علّني أصغي إلى وشوشة الحبّات، تتدحرج عائدةً نحو بحر أرضعتها لجّته، في ما مضى، لون المرجان المعتّق، ورائحة الطّحالب المجدولة.

لكنّ طريقي مسدودٌ، مسدود...
لا جدوى من الاستنجاد بالماضي. ولا جدوى من التّفكير في المستقبل أيضاً. فاللآلىء الخمس ضاعت والسّلام. لم أعد أملك منها إلا ذكرى بريقها المخمليّ، واللّون الذي تسبغه عليّ عندما كنت أنساها حول عنقي.

بحركةٍ غير إراديّة، رحت أربط الحبل المفكوك. بات أصغر حجماً حتّى خشيت أن يخنقني. أحسست أنّني أسيرة.. أسيرة طوقٍ يشلّ أنفاسي. يقيّد حركاتي. ويسجن حتّى الدّمع في عيني، فلا يستطيع لا أن يعود أدراجه من حيث نبع، ولا أن يشقّ طريقه نحو العالم الخارجيّ، بل يبقى حيثما هو، جامداً، فارغاً من أيّ معنى، كنظرة سجين الألف عام التي ملّت الأمل نفسه. وما هي إلا لحظة حتّى كنت قد نزعته عنّي. الطّوق، نزعته عنّي. بكلّ بساطةٍ وقوّة، بكلّ قناعةٍ وحنق. كانت النّدوب تغطّي جيدي، والخيط قد خلّف أثراً عميقاً فوق جلدي. لكنّ هذا قلّما همّني. فقد انتصرت، وكفى.

لا جدوى، إذاً، من استرجاع الماضي. ولو بالقوّة، ولو بالتّوسل، ولو حتّى بحفنةٍ من الأمل. هذا الماضي المنعكس في صوت أبي الذي أنساه شيئاً فشيئاً؛ في غرفتي القديمة الذي ستبقى قديمة لكنّها لن تبقى غرفتي؛ في نزهاتنا الطّويلة حول البستان القرويّ؛ في شقاوتنا الطّفولية التي جعلتني زبونةً وفيّة لقسم طوارىء سائر مستشفيات المنطقة.. ماضي الأمسيات البعيدة، والقريبة أيضاً، ماضي الساعات الأولى هذا الصّباح، ماضي هذه الأحرف بالذّات حين أطالعها غداً، ماضي الهنيهات المتدفقة الآن.. ماضي عينيك، وصوتك الذي يفاجئني، بصدق، كلّما سمعته بعد غياب. الماضي الذي لا أريده أن يستحيل ماضياً، بل أن يبقى ويزهّر، وتينع براعمه حاضراً ومستقبلاً. ماضي الأيام المقبلة. ماضينا نحن الذي أتوق إلى كتابته. معاً، بخطّ يدينا الاثنتين. بقبضتينا كلتاهما.

لا.. لا.. مجرّد ترّهات. أنا أنطق بمجرّد ترّهات، لا أكثر.
أغلق الكتاب بعنف.
أرسم نقطة النّهاية.
وأرمي الماضي وراء ظهري.
1 Comments:
إرسال تعليق
<< Home
 
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER