mysteriouseve
هنا، ألوذ في هدأة هذا الليل براحةٍ من قيظ النّهار. هنا، أحوك في الفكر خواطر، وأولّد على الشّفة بنات. هنا، ابتسامات حنين ترجّع صدى طفولةٍ نائية، وقصص حبّ طواها الزّمن. هنا، حلمٌ بغدٍ أجمل
في البدء... لن أكون
كيف نبدأ من جديد والوقوف أمام الصّفحات البيضاء أشبه بالوقوف، كلّ يومٍ، على شفير هاوية مترامية الأطراف؟
لا نبدأ، لأنّ الإبحار إلى مرفىءٍ جديد يعبق دائماً بأنفاس من كنّا نقبّلهم قبلة المساء؛ نقبّلهم كي يغفوا بوداعة، وبلا خوفٍ من زيف بداياتٍ تحين، دائماً، قبل الأوان.
لا نبدأ. نلوّن ما تبقّى من الدّرب، ونشرب "الخمر الجديد"، لننسى في أحضان سرياليّتنا قريحةَ الأهواء الجافة.

الماء فوق النّار يغلي. أسمع صوته بوضوح ولكنّني لا أحرّك ساكناً. في الخلفيّة الأغنية نفسها لجوليا، أعيد سماعها للمرّة العشرين على التّوالي. لا أدري كيف فاتني الاستماع إلى أغنيةٍ كهذه قبلاً. أرمي حذائي في مكانٍ ما من الغرفة، وأسير حافية القدمين كعادتي. أصل إلى المطبخ، أتهالك على أرضيّته، هكذا، ببساطةٍ، بتعبٍ، بشوقٍ إلى ملاذ، أيّ ملاذ. أترك رأسي يستند إلى الحائط وأفكّر. فوق ركبتي، تطالعني الكدمة الزّرقاء عينها. مرّ أسبوعان، وما زالت تكبر يوماً بعد يوم. أفكّر في أنّها قد تصبح، هي الأخرى، معلماً تاريخيّاً من معالم جسدي، كبقيّة النّدوب التي أحملها منذ سنواتي الأولى وحتّى اليوم... التي تقصّ كلّ منها حكايةً أخرى من حكايا شقاوتي الماضية... التي تذكّرني أنّني، ربّما، في ناحية من النّواحي، لم أضيّع بعد هذه الشّقاوة وراء قناع جدّيتي التّافه.

أصبّ الماء السّاخن فوق ظرف الشّاي. لست شديدة التّعلق بطعمه، ولكنّ ارتشاف كوبٍ منه مساءً يبعث فيّ شعوراً غريباً بالاطمئنان، ولو في هذه الأيّام الحارّة. لوهلةٍ، أنسى هل أضفت ملاعق السّكر الثلاث أم لا. لا يهمّ، أضيف السّكر بأيّة حال. الطّعم شديد الحلاوة، لكنّني أرتشفه بأيّة حال. أُطأطىء رأسي، وأبعد بضع خصلاتٍ انسدلت بغير عمدٍ. أغمض عينيّ لبرهة. أمشي. أمشي بأيّة حال.

الشّرفة في الخارج كئيبة. لا أحبّ الشّرفات في هذا البيت. لا تمنحني البحر، ولا تحملني نحو الأفق البعيد. كلّ ما أراه هو مشهد تلك المباني التي تقبض على صدري، ووجوه قاسية، مبالغة في قسوتها. الحقيقة أنّني لم أتصالح مع الشّرفات منذ تركت بيتنا القديم. أرتشف قليلاً من الشّراب السّاخن، ثمّ أعود إلى الدّاخل.

كلا، لا نبدأ. فما نخاله بدايةً جديدة ليس إلا فصلاً متتالياً من الحكاية نفسها.
لا نبدأ. لأنّ البدايات مجرّد خدعة. أكذوبة على النّفس، أو من أجل النّفس، أو ضدّ النّفس... لا فرق. نركض؛ نتقدّم؛ نغرق؛ أو نشرب الشّاي في عزّ الصّيف؛ ثمّ نكتشف- يا للسّخرية- أنّنا لم نراوح مكاننا.

وبعد؟ إنّها مجرّد البداية...
وتظلّ هذه الفكرة تستحوذ عليّ، إلى أن يرون النّعاس عليّ أخيراً. فأفكّر بسذاجةٍ وعزمٍ زائف: غداً.. غداً، أبدأ من جديد.
9 Comments:
  • At ١٨/٧/٠٥ ١:٣٦ ص, Blogger littilemo said…

    يا الهى الاغنيه رائعه وكتابتك رائعه

     
  • At ١٨/٧/٠٥ ٣:٥٢ ص, Blogger Muhammad Aladdin said…

    ترميني في حالات لا نهاية لها من الحنين
    ايف: من بركة الله انني اقرؤك
    "كلا، لا نبدأ. فما نخاله بدايةً جديدة ليس إلا فصلاً متتالياً من الحكاية نفسها.
    لا نبدأ. لأنّ البدايات مجرّد خدعة. أكذوبة على النّفس، أو من أجل النّفس، أو ضدّ النّفس"
    الله

     
  • At ١٨/٧/٠٥ ٣:٠٧ م, Blogger Delirious said…

    I understand completely what you mean, it's a phase we all pass by at one time or another...
    Take care of yourself, and cheers for new beginnings that don't feel like you're standing at the edge of an abyss...

     
  • At ١٨/٧/٠٥ ٥:٣٠ م, Anonymous غير معرف said…

    Beautiful eve, as always. You're right, there are no beginnings, yet there are so many ends. FB

     
  • At ١٨/٧/٠٥ ٧:٠٢ م, Blogger Aladdin said…

    قطعة فنية رائعة تضاف إلى سجلك المضيء.

    وإذا كانت "البدايات" بهذا المستوى، فلعلك لا تتوقفين.

     
  • At ١٨/٧/٠٥ ١٠:١٢ م, Blogger Majd Batarseh said…

    i enjoyed reading you blog very much..
    what you wrote about beginnings was very unique & yet very widely spread.. i liked it :)
    unfortunately i missed the question and answer post!
    God Bless

     
  • At ١٩/٧/٠٥ ١:٥٤ ص, Blogger Ramzi said…

    Albert Einstein, the godfather of relativity, is rumored to have once asked while aboard a train: "When does the station arrive?"

    I think you're experiencing something of that relativity. Sometimes it feels like we are journeying through life, other times we stand still while life happens to us.

     
  • At ١٩/٧/٠٥ ١:٠٥ م, Blogger sydalany-وش مكرمش said…

    أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

     
  • At ٢٠/٧/٠٥ ٣:١٩ ص, Anonymous غير معرف said…

    سلام
    قرأتها مرات ولا أعرف كيف يمكن ان أعلق عليها
    اقول فقط قراءتك داءما متعة

     
إرسال تعليق
<< Home
 
About Me

Name: Eve
Home: Beirut, Lebanon
See my complete profile




Who Are You?

Free Guestmap from Bravenet.com Free Guestmap from Bravenet.com

الموووود

My Unkymood Punkymood (Unkymoods)

بعضٌ منّي... بعضٌ منهم
هفوات مبارح
هفوات بعيدة

على الرّف

dominique

Powered by

15n41n1
BLOGGER