حان الوقت. سأجيب عن الأسئلة. أو بالأحرى، عن نصفها الآن، على أن أستكمل الإجابات الأخرى لاحقاً. أكثرت من الكلام كالعادة. حاولت ألا أكسو كلماتي بأقنعة. لعلّ من يعرفني يعرف أيضاً إن كنت قد نجحت أم لا.
رمزي سألني: ما أكثر ما تخجلين منه ممّا فعلته سابقاً؟ أخجل غالباً من الأشياء التي لم أفعلها، أكثر من تلك التي فعلتها. ربّما لأنّ المرء يتعلّم من الذنوب التي يقترفها؛ أمّا ما تركه يفلت منه، فيبقى طيلة حياته ضاجّاً في ذاكرته... المهمّ، أخجل من سيّدةٍ عجوز، صادفتها عند عودتي من العمل إلى البيت ذات مساء. كنت جالسة في المقعد الأخير من الحافلة. وكانت هي على الرّصيف، تحاول أن تقنع السّائق بتوصيلها مجّاناً. توسّلَت إليه بشتّى الوسائل، بلغت حتّى مستوى الذّل، وهو ظلّ مصمّماً على الرّفض. هذا حقّه بأيّة حال. شيئاً فشيئاً، تحوّل رفضه إلى صراخٍ، وتوسّلاتها أمست دعواتٍ عليه. الجوّ كلّه في الحافلة كان متوتّراً، والجميع يبدو عليه الانزعاج الصّامت. ولعلّه انزعاج من صمتهم قبل أيّ شيء. كان باستطاعتك أن تسمع رنين الإبرة. أردت أن أخبر السّائق بأن يدعها تصعد، وسأدفع أنا ثمن تذكرتها. لكن لا أدري لمَ لم أفعل. ربّما لم أملك الجرأة الكافية لأرفع صوتي من الخلف، وسط كلّ ما يحدث. تردّدت قليلاً. لكنّ الحافلة سرعان ما انطلقت، فيما صوت العجوز ما زال يُسمع من بعيد. عند تلك اللّحظة، كرهت نفسي أكثر ممّا كرهت السّائق، وشعرت أنّ كلماتها موجّهة ضدّي أكثر من أيّ شخصٍ آخر.
جربوز سألني عن الجملة في أعلى المدونة، ويريد أن يعرف تفاصيل مع تواريخ وأمكنة. مدونتي حافلة بالتّفاصيل عن طفولتي النّائية. لكن أظنّني لم أتكلّم عن تفاصيل قصص الحبّ المنسيّة كثيراً. لا أدري لماذا. فالحبّ جدير بأن يُحكى عنه أيضاً. على العموم، ما قصدته بهذه الجملة هو الآثار الطيّبة التي تبقى لي من أشخاصٍ مرّوا في حياتي، وبها أجبُل كتابات هذه المدونة. صحيحٌ أنّ النّهايات كانت بشعة، لكنّ التّفاصيل هي التي تجعلها تجربة تستحقّ أن يخوضها المرء، رغم كلّ شيء. أذكر ليلة رأس سنةٍ، أذكر شاباً خجولاً واعترافاً أوّل، أذكر أغنيةً مهداة، أذكر وردةً صفراء وقرطاً مرسلاً بالبريد السّريع. أذكر مغامرات جنونيّة وتصرّفات ما كنت لأتخيّل أنّني قد أقدم عليها. أذكر الانتظار. أذكر خيبات الأمل. وأذكر أيضاً سيراً ليليّاً على الكورنيش ووداعاً في شارعٍ مزدحم.
أحمد لم يسأل، ولكنّه كان داعماً في تعليقه، على عكس تعليقه الثّاني. فشكراً يا أحمد ;-)
حمكشة سألني: "ما أكثر أشياء تزعجك في نفسك (وحياتك الخاصة وشخصيتك) وتستعصي على كل ما تجربين من حلول؟" تردّدي ربّما. أحياناً، رغم يقيني بقدرتي على إنجاز مهمّة معيّنة، إلا أنّ تلقّي بعض التّشجيع كفيل بأن يدفعني إلى إنجازها بكلّ ثقة. فأكتشف لاحقاً أنّ كلّ مخاوفي وهمومي كانت بلا طائل. أحياناً أيضاً، عندما تُطرح عليّ أسئلة شخصيّة، لا أودّ الإجابة عنها، أهرب إلى جوابي الملاذ "لا أعرف"... حتى بتّ أشعر أنّني لا أعرفني حقّاً.
ديليريوس/الهاذية سألتني: متى آخر مرّةٍ مررت بتجربة للمرّة الأولى؟ وما هي هذه التّجربة؟ ليتني أستطيع أن أجيبك بأنّني صفعتُ أحدهم صفعةً "من يلي بيحبّهم قلبك"، أو قفزت من الباراشوت... لكن في الواقع، صدّقي أو لا تصدّقي، حدثت هذه التّجربة منذ بضعة شهور، حين حملت طفلاً للمرة الأولى في حياتي. نعم، لم يكن لديّ احتكاكٌ مع الوليدين حديثاً قبلاً قط. لكنّ خالد، ابن خالي الصّغير، غيّر هذه المعادلة. كنت أنتظره منذ سنين ليكون رفيق لعبي فقط، ولكن شاءت الظّروف أن يتأخّر مجيئه قليلاً، حتّى صرت أكبره بربع قرن تقريباً! الشّعور لا يوصف. أحياناً، أتساءل، عندما يصبح في مثل سنّي، كيف ستكون حالي حينها! هل سيخبرني عن أسراره وطموحاته، أم سأكون هذه العمّة العجوز التي لا يزورها إلا في الأعياد؟ وخالد "صار عامل عمايل معي"، يشهد على ذلك عدد القمصان التي أغيّرها كلّما حملته :)
سيّد بيبو سألني: "اكتر المواضيع مناقشة بين البنات و بعضها ممكن ترتيبيها. نقول تلات مواضيع" ما تريدني أن أسمّي يا بيبو... الطّهو والموضة والرجال؟ أظنّ أنّ هذا هو ما يميّز النّساء عن الرّجال، حسب أحكام الجنس الخشن المسبقة. ربّما. لكن في الحقيقة، برأيي، لا تختلف أحاديث النّساء عن الرّجال كثيراً. يمكنني أن أؤكّد لك على أنّ المواضيع التي أناقشها مع صديقاتي تتضمّن وضع البلد اليوم، وحالة اليأس، والهجرة الشّبابيّة، والأخبار السياسيّة، وآخر الإصدارات الكتابيّة إلخ. هذا لا يمنع أنّنا نتحدّث عن الموضة كماالرّجال يتحدّثون عن السيارات. لكنّني أعتقد أنّ جوهر الاختلاف لا يكمن في المضمون، بل في طريقة مقاربة المواضيع. فالنّساء أكثر رهافةً للتّفاصيل الصّغيرة، ولا يكتفين بإثارة الوقائع بقدر ما يقصدن مناقشة أحاسيسهنّ تجاهها. نحبّ أن نحلّل ونتعمّق في دراسة خلفيّات الأمور، لا بل ويمكن أن نقيم جلسات طويلة لتحليلكم ليس إلا :)
المصري سألني: متى كانت آخر مرّة بكيت فيها ولماذا؟ لكن أوّلاً، دعني أجيب عن سؤالك بخصوص زهر البيلسان. ليت كلّ الأسئلة بهذه السّهولة! :) في الواقع، لست خبيرة أزهار، ولكن بعد البحث، اكتشفت ما تحتاج إلى معرفته عن البيلسان بالتّفصيل. أمّا سؤالك الأهمّ: لو سألتني هذا السؤّال قبل فترةٍ بسيطة، لربّما صعب عليّ أن أتذكّر. لكنّ المرّة الأخيرة التي بكيت فيها كانت منذ شهرٍ، أو ربّما أقل. لا أدري ما الذي أصابني يومها. يوماً عصيباً كان؟ عمل بلا توقّف؟ المهم أنّني عدت إلى البيت، وقد صادف أنّني كنت وحيدةً هناك. كنت جالسة أقلّب الأقنية بتململ، وفجأةً شعرت أنّني لم أعد أستطيع التّحمّل... أنّني أريد الصّراخ، لكنّني عاجزة عن التّعبير عما في داخلي. فبكيت أخيراً. بكيت على كلّ شيء، وعلى كلّ ما لم يتسنّ لي البكاء عليه قبلاً.
(يتبع)
|
Salam Eve.
Merci de prendre le temps de repondre(oui je sais je sais tu dois réopndre ;))
Bref, et là j'ecris a chaud....
Je n sais pas pourkoi en lisant ta réponse à ma "question" y a un blog qui m'est passé par la tete...
lehammam... une grande similitude dans la façon du parler du détail...
Eve, j'aime bien ton blog.