ما أجمل بيروت حين تضيع فيها مساءً. ما أجملها وقد نسيتَ العالم برمّته بين ذراعيها. تهمس باسمها بحنانٍ، فتداعبك كجروٍ يرى الدّنيا بعينيك. تناديها بوحشية، فتطوّق منك الخناق حتى تلازمك أبداً رغبةٌ سريّة في البكاء. ولكنّك لا تبكي. وهي لم تعد تبالي. جميلةٌ تبقى ولكنّها لا تبالي. بيروت المساء قاسيةٌ أحياناً.
تتثاءب شوارعها عند انبلاج الفجر، وتشرع تغتسل من غبار السّاهرين المتأخّرين، أو أولئك الذين سوّلت لهم أنفسهم خدش جدرانها بدماء أفئدتهم المتوجّعة. كلّ شيءٍ فيها يوحي بأنّ ضجّة العمل ستبدأ وأنّ المكان قد خلع عليه قناع النّهار. لكن حسبك أن تضع راحة يدك على هذه الأسطح الحامية.. هيّا، إضغط بكلّ ما أوتيت من قوّة، إضغط أكثر؛ ثمّ أنظر إلى هذا الباطن. فتّش بين خطّ الحياة وخطّ القلب. فتّش مليّاً هناك. وستقرأ ملامح حياةٍ يخالطها البؤس، وقلبٍ قد هدّه الشّقاء. ستجد في قسوة المدينة بعضاً من أملٍ لم تنجح في إخفائه عنك، وحناناً حبّذا لو تغدقه عليك. ستجد ذكرى من ذكريات طفولتك، ودميةً كنت قد نسيت مرورها في حياتك. ستجد شيئاً من ابتسامة الجارة الحلوة، وهنيهاتٍ من حاضرٍ لم يستحل ماضياً بعد... لا. بيروت المساء ليست قاسية. لن تنجح في إيهامك بقسوتها مهما حاولت. فأوردتها النّابضة بالحياة ما زالت تسري، وإن تقطّعت بينها الشّرايين وتمزّقت الجوارح. ما زال نفسٌ من الحياة يضخّ الدّماء في هذا القلب البائس. فكيف، كيف يا أيّها المسكين تصدّق ضحكتها الكاذبة وتردّيها المبتذل، وترحل عنها إلى حيث تكون فكرتها هي الأحلى وذكرياتها هي الأنقى؟
بيروت المنفى هي القاسية. هي التي تعتصر قلوبنا وتجبل من حزننا الجيل القادم. هي التي تصفعنا في كلّ مرّةٍ فكّرنا: "ماذا لو عدنا؟" أمّا بيروتي هذه، فعطرٌ مختلفٌ وقصّةٌ أخرى، ما أنت بمدركٍ عنها شيئا.
"هيدي مش غنيّة، هيدي بس تحيّة.. وبس" |
من اجمل--إن لم تكن اجمل--الحاجات اللي قريتها عن بيروت خاصة، و علاقة الانسان بمدينته عامة
:)
إيف: انتي خسارة ف الترجمة لوحدها